بمعنى أنت (١) لا تبخل ، وأنت تجود من غير إرادة تعريض بغير المخاطب (٢)] بأن يراد بالمثل والغير إنسان آخر مماثل للمخاطب (٣)
______________________________________________________
(١) أي لا بمعنى أنّ إنسانا آخر مثلك أو غيرك كذلك فقوله : «أنت لا تبخل وأنت تجود» لفّ ونشر مرتّب ، وتوضيح ذلك : أنّك إذا مثلك لا يبخل ، فقد نفيت البخل عن كلّ مماثل للمخاطب ، أي عن كلّ من كان متّصفا بصفاته ، والمخاطب من هذا العامّ لأنّه متّصف بتلك الصّفات ، فيلزم أنّه لا يبخل للزوم حكم الخاصّ لحكم العامّ ، فقد أطلق اسم الملزوم ، وهو نفي البخل عن المماثل وأريد اللّازم ، وهو نفيه عن المخاطب ، وكذا إذا قيل : غيرك لا يجود ، لأنّه إذا نفى الجود عن الغير على وجه العموم انحصر الجود في المخاطب على نحو الكناية ، فقد استعمل لفظ الغير في المعنى الموضوع له ، وهو نفي الجود عن كلّ مغاير ، وأريد لازمه وهو إثبات الجود للمخاطب ، وإنّما هو على سبيل الكناية إذا لم يكن هناك إرادة تعريض بغير المخاطب.
ومعنى التّعريض أن يتكلّم الإنسان بكلام يظهر من نفسه شيء ومراده شيء آخر ، كما يقال في التّعريض بمن يؤذي المسلمين : المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، فإنّه كناية عن نفي صفة الإسلام عن المؤذي.
قال صاحب الكشّاف : التّعريض : أن تذكر شيئا تدلّ به على شيء آخر لم تذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلّم عليك فكأنّه أمال الكلام إلى عرض يدلّ على المقصود ، ويسمّى التّلويح ، لأنّه يلوّح منه ما يريده.
(٢) إنّما قيّد بقوله : «من غير إرادة تعريض ...» لأنّه لو أريد بهما التّعريض لغير المخاطب يلزم خلاف المقصود ، لأنّ المراد بقولك : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود ، حين إرادة التّعريض ، هو إنسان غير المخاطب مماثل له ، أو غير مماثل. فمعنى مثلك لا يبخل ، أي أنت تبخل ، وغيرك لا يجود ، أي أنت لا تجود ، فيلزم انقلاب المدح إلى الذّمّ ، وهو خلاف المقصود ، فحينئذ يخرج لفظ مثل وغير ، ممّا نحن فيه ، فلا يكون تقديمهما كاللّازم ، لأنّ التّقديم إنّما كان كاللّازم فيما لم يراد منهما التّعريض بغير المخاطب.
(٣) في المثال الأوّل وهو مثلك لا يبخل ، «أو غير مماثل» في المثال الثّاني وهو غيرك لا يجود ، ثمّ قوله : «بأن يراد بالمثل والغير» إنسان آخر ... بيان لإرادة التّعريض.