[يجري في فنون (١) كثيرة ، كقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(١) (٢)] غلّب الذّكر على الأنثى.
بأن أجرى الصّفة المشتركة بينهما على طريقة إجرائها على الذّكور خاصّة ، فإنّ القنوت ممّا يوصف به الذّكور والإناث ، لكن لفظ قانتين إنّما يجري على الذّكور فقطّ [و] نحو [قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٢)] (٣) غلّب جانب المعنى (٤) على جانب اللّفظ لأنّ القياس يجهلون بياء الغيبة ، لأنّ الضّمير عائد إلى قوم ، ولفظه لفظ الغائب ، لكونه اسما مظهرا (٥) ، لكنّه (٦) في المعنى عبارة عن المخاطبين فغلّب جانب الخطاب (٧)
______________________________________________________
(١) أي في أنواع» كثيرة» ، منه تغليب الذّكور على الإناث.
(٢) ولو لا التّغليب ، لقال : وكانت من القانتات ، فعدّت الأنثى أي مريم عليهمالسلام من الذّكور القانتين بحكم التّغليب ، وسرّ التّغليب هنا أنّ القانتين في نوع الرّجال أكثر من النّساء ، وقنوت الرّجال أكمل ، لأنّه قلّ أن توجد امرأة تحسن القنوت ، وبما أنّ مريم كانت كثيرة القنوت لله كاملة في ذلك ، ألحقت بزمرة الكمّل في هذه الصّفة ، وهم الرّجال دون النّساء ، فقال : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ،) أي من المطيعين ، مع أنّ مقتضى القياس أن يقال : كانت من القانتات.
(٣)» أنتم» خطاب لقوم لوط ، حيث كانوا يأتون الرّجال بشهوة.
(٤) أي المصداق والذّاتّ ، ليس المراد من المعنى المفهوم والمدلول ، كما يظهر بأدنى تأمّل ، وحاصل الكلام : أنّه غلّب جانب المعنى ، وهو الخطاب ، على جانب اللّفظ ، وهو الغيبة ، نظرا إلى لفظ القوم ، ولفظه غائب ، ومعناه خطاب ، لأنّه محمول على أنتم ، فاستعمال تجهلون في المخاطبين المذكورين بلفظ الغائب ، لعلاقة المصاحبة أو المشابهة.
(٥) أي الاسم الظّاهر غائب ، إلّا المنادى.
(٦) أي لفظ قوم.
(٧) أي المعنى.
__________________
(١) سورة التّحريم : ١٢.
(٢) سورة النّمل آية / ٥٥.