لأنّ (١) الأبوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت ، فالحاصل إنّ مخالفة الظّاهر في مثل (الْقانِتِينَ) من جهة الهيئة والصّيغة ، وفي ـ أبوان ـ من جهة المادّة ، وجوهر اللّفظ بالكلّيّة ، [ولكونهما (٢)] أي إن وإذا [لتعليق أمر] هو حصول مضمون الجزاء [بغيره (٣)] ، يعني (٤) حصول مضمون الشّرط [في الاستقبال] متعلّق (٥) بغيره ، على معنى أنّه يجعل
______________________________________________________
(١) دفع للتّوهّم ، ببيان الفرق بين المثالين ، وحاصل الفرق : إنّ التّغليب في قوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ،) إنّما هو في هيئة الوصف المجرى الذّكور على هيئة الوصف المجرى على الإناث ، لأنّ هيئة قانتين غير هيئة قانتات مع تساويهما في المادّة ، هذا بخلاف أبوين ، حيث تكون مخالفة الظّاهر فيه من جهة المادّة ، وجوهر اللّفظ بالكلّيّة ، فالاختلاف بين المذكّر والمؤنّث في المثال الأوّل ، إنّما هو من ناحية الصّيغة واللّفظ ، وفي المثال الثّاني جوهريّ ، ولا دخل له بالصّيغة ، وقيل : إنّ مخالفة الظّاهر في المثال الثّاني في الهيئة أيضا ، إذ هيئة التّثنية موضوعة للمشتركين لفظا ومعنى على مذهب الجمهور ، أو لفظا فقط على مذهب ابن الحاجب ، وإنّما اقتصر على جهة المادّة ، لأنّها جهة الافتراق بين مثل أبوين ، ومثل (الْقانِتِينَ ،) لكن ارتكاب المجاز في المادّة في مثل أبوين لضرورة الهيئة ، إذ هيئة التّثنية هنا لا تمكن إلّا بعد تغيير مادّة أحد الشّيئين إلى مادّة الآخر.
(٢) علّة متقدّمة على المعلول ، وهو» كان كلّ ...» وسرّ تقديم العلّة على الحكم المعلول ، هو أن يقع في ذهن السّامع معلّلا من أوّل الأمر ، ليكون أوقع في النّفس من الحكم المنتظر علّته.
(٣) أي على غيره ، حيث إنّ الباء بمعنى على.
(٤) وإنّما فسّر بالحصول ليصحّ تعلّق الجار والمجرور ، لأنّ الغير اسم جامد لا يصحّ تعلّق الجارّ ، وهو» في الاستقبال» ، فمعنى العبارة : «لكونهما» أي إن وإذا لتعليق أمر على حصول مضمون الشّرط في الاستقبال.
(٥) أي الجار أعني في» متعلّق بغيره» ، أي بلفظ غير ، لأنّه بمعنى الحصول ، فمعنى الكلام أنّ إن وإذا يفيدان أنّ المتكلّم علّق في حال التّكلّم حصول الجزاء في الاستقبال على حصول الشّرط في ذلك الاستقبال ، ولازم ذلك حصولهما في الاستقبال ، ضرورة استحالة انفكاك اللّازم عن الملزوم ، فلا يمكن حصول اللّازم ، أعني الجزاء في الحال ، والملزوم أعني الشّرط في الاستقبال.