[قال السّكّاكي : أو للتّعريض] أي إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل إمّا لما ذكر (١) وإمّا للتّعريض (٢) بأن ينسب (٣) الفعل إلى واحد ، والمراد غيره [نحو] قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(١) (٤)] فالمخاطب (٥)
______________________________________________________
(١) أي الأمور الأربعة ، أعني قوّة الأسباب ، وكون ما هو للوقوع كالواقع ، والتّفاؤل ، وإظهار الرّغبة.
(٢) هذا إشارة إلى أنّ قول السّكّاكي «أو للتّعريض» عطف على «قوّة الأسباب» المذكورة في كلامه فيكون علّة للإبراز.
(٣) بيان لمعنى التّعريض ، قال الزّمخشري : التّعريض ، أن تذكر شيئا تدلّ به على شيء لم تذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلّم عليك ، فكأنّه أمال الكلام إلى عرض يدلّ على المقصود.
وحاصل الكلام في المقام : إنّ التّعريض إمالة الكلام إلى جانب يشير هذا الجانب إلى ما هو المقصود لاكتناف الكلام ، بما يدلّ على أنّ الجانب الأوّل غير مقصود بل المراد بالإرادة الجدّيّة هو الجانب الثّاني.
ففي قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) أميل الكلام إلى جانب ، وهو حبط عمل النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على تقدير صدور الشّرك منه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يشير إلى أنّ المقصود بيان حبط عمل من صدر منه الشّرك ، وتوبيخهم على ذلك لاكتناف الكلام بما يدلّ على أنّ الجانب الأوّل غير مقصود ، بل إنّما المقصود هو الجانب الثّاني وذلك لاستحالة صدور الشّرك منه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٤) وبعده قوله تعالى : (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ،) قال ابن عبّاس : هذا أدب من الله تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وتهديد لغيره ، لأنّ الله تعالى قد عصمه من الشّرك.
والشاهد فيه : قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) حيث استعملت فيه كلمة إن مع لفظ الماضي تعريضا على من صدر منه الشّرك ، كما في الشّرح.
(٥) الحصر هنا على تقدير حصوله إضافيّ ، أي ليس المخاطب أمّته ، إذ غيره من الأنبياء مخاطب أيضا ، بدليل قوله تعالى : (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ).
إن إذا كان الخطاب إلى كلّ واحد من الأنبياء ، فلماذا أفرد الضّمير؟
__________________
(١) سورة الزّمر : ٦٥.