وقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وارد (١)
______________________________________________________
تستعمل عندهم في مجرّد تعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشّرط ، من دون تقييده بالقطع بالانتفاء.
ثانيتهما : إنّ العلّة الغائيّة لوضع لو واستعمالها في المعنى المذكور عند الأدباء إفادة المتكلّم للمخاطب أنّ علّة انتفاء الجزاء في الخارج هو انتفاء الشّرط ، فكلّ من الانتفاءين معلوم عنده ، وإنّما المجهول سبب انتفاء الجزاء وعلّته ، فالمتكلّم يلقى الكلام إليه لغرض تفهيم أنّ أحد الانتفاءين ، أعني انتفاء الشّرط سبب للانتفاء الثّاني أعني انتفاء الجزاء.
وعند المناطقة تكون العلّة الغائيّة أحد أمرين : إمّا الاستدلال على انتفاء الأوّل بانتفاء الثّاني ، كما إذا كان رفع المقدّم محلّ النّزاع بين المتكلّم والمخاطب.
وإمّا الاستدلال على ثبوت الثّاني بثبوت الأوّل ، فيما إذا كان محلّ النّزاع بينهما وضع التّالي وثبوت الجزاء ، فالحاصل من الفرق المذكور أنّ العلقة الوضعيّة عند أهل العربيّة هي السّببيّة في الخارج ، وعند المناطقة الاستدلال ، ثمّ ابن الحاجب ومتابعوه لمّا لم يهتدوا إلى مراد أهل العربيّة ، وتخيّلوا أنّ العلقة الوضعيّة عندهم أيضا الاستدلال.
فاعترضوا عليهم بأنّ الاستدلال بانتفاء الشّرط لتحصيل العلم بانتفاء الجزاء لا يصحّ ، بل الأمر بالعكس ، ولو اهتدوا بمرادهم لما اعترضوا عليهم. ثمّ استعمال أهل العربيّة واللّغة أكثر في القرآن الحديث ، وأشعار العرب ، واستعمال المناطقة أكثر في كلام المؤلّفين.
(١) أي من الورود بمعنى المجيء والإتيان ، لا من الإيراد بمعنى الاعتراض ، أي إنّ هذه الآية آتية وجاريّة على قاعدة المنطقيّين.
فمعنى العبارة أنّ قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ) جار على قاعدة المنطقيّين وأرباب المعقول في استعمال لو ، لأنّ المقصود به تعليم الخلق الاستدلال على الوحدانيّة بأن يستدلّوا بالتّصديق بانتفاء الفساد على التّصديق بانتفاء التّعدّد ، وليس المقصود بيان أنّ انتفاء الفساد في الخارج علّة لانتفاء التعدّد فهي في الآية الكريمة لامتناع الثّاني لامتناع الأوّل.
لا يقال :
إنّ الآية الشّريفة واردة على قاعدة المناطقة ، ومقتضى أوضاعهم ، ومن المعلوم أنّه لا وجه الحمل الآية على اصطلاح المنطقيّين المخالف لوضع اللّغة النّازل بها القرآن ، لأنّه مستلزم