عن الماضي إلى المضارع [في (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا). لتنزيله (١) منزلة الماضي لصدوره عمّن لا خلاف في إخباره ، وإنّما كان الأصل ههنا هو الماضي ، لأنّه قد التزم ابن السّرّاج وأبو علي في الإيضاح (٢)
______________________________________________________
بعضه فيما بعد ، توضيح بما هو أخفى ، ولو قال : ومثله (رُبَما يَوَدُّ) لكان أولى كما في الأطول.
(١) أي المضارع «منزلة الماضي» المناسب لربّ المكفوفة بما عن عمل الجرّ ، وحاصل الكلام في هذا المقام إنّ ما كافة لربّ عن عمل الجرّ ، فيجوز دخولها على المضارع ، وحقّها أن تدخل على الماضي لما في علم النّحو من أنّ من خصائص ربّ أن يكون فعلها ماضيا ، لأنّك إذا ربّ رجل كريم لقيته ، كنت مخبرا بقلّة من لقيته في الزّمان الماضي ، فأمّا المستقبل فلا يعلمه إلّا الله تعالى ولا يمكنك الإخبار عنه بالقلّة.
(٢) قيل : قد جوّز أبو علي في غير الإيضاح ، ومن تبعه ، وقوع الاستقبال بعدها ، وكيف كان فتشبيه المصنّف قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) بقول : تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) مبنيّ على هذا المذهب ، وأمّا الجمهور فقد جوّزوا دخولها على المضارع والجملة الاسميّة أيضا ، واختاره ابن هشام حيث قال في المغني : «ومن دخولها على الفعل المستقبل (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) وقيل : هو مؤوّل بالماضي على حدّ قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ،) وفيه تكلّف لاقتضائه أنّ الفعل المستقبل عبّر به عن ماض متجوّز به عن مستقبل ، انتهى مور الحاجة من كلام ابن هشام في المغني.
وهذا هو الصّحيح لعدم تماميّة ما استدلّ به على امتناع دخولها على غير الماضي من أنّها للتّقليل ، وهو إنّما يظهر في الماضي ، لأنّه إنّما يتصوّر فيما عرف حدّه ، وما يكون كذلك إنّما هو الواقع في الماضي ، وما سيقع مجهول ، فلا يمكن أن يوصف بالقلّة والكثرة ، وجه عدم تماميّة ذلك أنّ العلم بالمستقبل أمر ممكن ، كما في الآية حيث إنّ المتكلّم هو الله الّذي يعلم غيب السّماوات والأرض ، فكونها للتّقليل لا يستلزم امتناع دخولها على المستقبل فإنّ الواقع في المستقبل إذا كان معلوما يعرف حدّه كان كالواقع في الماضي.