تحامل فلان عليّ ، إذا لم يعدل (١) ، وكم (٢) خبريّة مميّزها قوله : من تحامل ، قالوا : وإذا فصل بين كم الخبريّة (٣) ومميّزها بفعل متعدّ وجب الإتيان بمن لئلّا يلتبس (٤)
______________________________________________________
(١) أي إذا ظلم ، أي ظلم فلان عليّ ، فالتّحامل هو الظّلم ، وإضافته إلى الحادث إمّا لاميّة ، أي كم دفعت من تعدّي وظلم الحوادث الدّهريّة عليّ ، أو بيانيّة ، أي كم دفعت الظّلم الّذي هو حادث الزّمان عنّي ، وعلى هذا فجعل حادث الزّمان ظلما مبالغة ، كرجل عدل.
(٢) أي لفظة كم في البيت خبريّة ، بمعنى كثير ، ويحتمل أن تكون استفهاميّة محذوفة المميز ، أي كم مرّة أو زمان ، والاستفهام لادّعاء الجهل بالعدد مبالغة في الكثرة ، ولا يضرّ ذلك زيادة من في المفعول ، والحال إنّ الكلام موجب لأنّه مصدّر بالاستفهام الّذي يزاد بعده من.
أقول هذا الاحتمال ضعيف جدّا ، لأنّ الشّرط لزيادة من في الاستفهام أن يكون بهل خاصّة ، وفي إلحاق الهمزة بها نظر ، فضلا عن كم الاستفهاميّة.
(٣) التّقييد بالخبريّة لمكان أنّ كم في البيت خبريّة لا للتّخصيص ، فإنّ كم الاستفهاميّة أيضا كذلك.
(٤) لأنّه إذا فصل بفعل متعدّ بين كم الخبريّة ومميّزها وجب نصب مميّزها حيث يتعذّر الإضافة مع الفعل ، وحينئذ يلتبس المميّز بمفعول ذلك الفعل فدفعا للالتباس يجب أن يزاد من على مميّزها ليعلم أنّه ليس بمفعول ، إذ كلمة من لا تزاد في المفعول إذا كان الكلام موجبا ، هذا هو عند المشهور ، خلافا للفرّاء فإنّه يجرّ المميّز بتقدير من ، وخلافا ليونس فإنّه يجوّز الإضافة مع الفصل ، فعلى مذهبهما لا مجال للالتباس إلا أنّهما ضعيفان جدّا لبعد جواز الإضافة مع الفصل ، وكون التّقدير خلاف الأصل ، فالظّاهر صحّة ما ذهب إليه الجمهور ، فيزاد من دفعا للالتباس.
وبالجملة إنّ الوجه في ذلك أنّه إذا فصل بين كم ومميّزه فعل متعدّ يجب نصب المميّز ، لتعذّر الإضافة ، فبالنّصب يشتبه بالمفعول فيجب إدخال من عليه ، لأنّه يؤيّد التّمييز ، لأنّ إدخال من على التّمييز ههنا نظير إدخالها عليه في نحو قولهم : طاب زيد فارسا ، فإنّ فارسا لكونه مشتقّا يحتمل الحاليّة والتّمييزيّة ، لكن زيادة من فيه نحو : لله دره من فارس ، وقولهم : عزّ من قائل ، يؤيّد التّمييز ، لأنّ من تزاد في التّمييز لا في الحال.