[ويجوز أن يكون السّبب (١)] في حذف مفعول طلبنا [ترك مواجهة الممدوح بطلب (٢) مثل له] قصدا (٣) إلى المبالغة في التّأدّب معه ، حتّى كأنه لا يجوّز وجود المثل له ليطلبه ، فإنّ العاقل لا يطلب إلّا ما يجوّز وجوده [وإمّا للتّعميم (٤)] في المفعول [مع الاختصار (٥) ، كقولك : قد كان منك ما يؤلم (٦) ، أي كلّ أحد] بقرينة إنّ المقام مقام المبالغة (٧) ،
______________________________________________________
(١) أي سبب حذف المفعول في بيت البحتري.
(٢) الظّرف الأوّل ، أعني «بطلب» متعلّق ب «مواجهة» ، والثّاني أعني «له» متعلّق ب «طلب».
(٣) علّة للتّرك ، أي إنّما ترك الشّاعر مواجهة الممدوح بطلب مثل له ، لقصده إلى المبالغة في التّأدّب تعظيما له «حتّى كأنّه لا يجوّز وجود المثل له ليطلبه» لأنّ طلب المثل صريحا ممّا يدلّ على تجويز المثل ، بناء على أنّ العاقل لا يطلب إلّا ما يجوز ، ويمكن وجوده.
لا يقال : إنّ العاقل يقع منه التّمنّي ، وهو طلب متعلّق بالمحال ، فلا وجه لقولك : إنّ العاقل لا يطلب إلّا ما يجوز وجوده.
لأنّا نقول : المراد بالطّلب في المقام الطّلب بالفعل ، وهو الحبّ القلبيّ المقرون بالسّعي ، وأمّا التّمنّي فهو عبارة عن مجرّد حبّ القلب ، فمن ثمّ يتعلّق بما هو المحال. وبالجملة إنّ الغرض يناسب المبالغة في المدح ، إحالة المثل بترك التّصريح بطلبه المشعر بإمكان وجوده.
(٤) أي وإمّا حذف المفعول لإفادة التّعميم فيه ، وعدم قصر السّامع المفعول على ما يذكره ، كقصره المفعول على الدّرهم دون الدّينار في قولنا : فلان يعطي الدّرهم ، بخلاف ما إذا لم يذكر المفعول نحو : فلان يعطي ، فإنّه يحتمل عند الحذف أن يكون المعطى فضّة أو ذهبا أو فرسا أو إبلا ، إلى غير ذلك ، ويحتمل مع كلّ أن يكون كثيرا أو قليلا.
(٥) أي سبب حذف المفعول هو إفادة التّعميم مع الاختصار ، فيتوصّل فيه بواسطة تقليل اللّفظ بحذف المفعول إلى تكثير المعنى أعني العموم.
(٦) أي ما يوجع ، لأنّ قوله : «يؤلم» من الإيلام ، بمعنى الإيجاع ، والمعنى «قد كان منك ما» أي صفة ذميمة ، وهي إيجاع كلّ أحد بشكل عامّ.
(٧) أي بقرينة أنّ مورد الكلام مورد المبالغة في الوصف بالإيلام ، فيكون هذا المقام والمورد قرينة على إرادة العموم في ذلك المفعول ، وأنّه ليس المراد ما يؤلمني أو يؤلم بعض النّاس ، أو نحو ذلك ، بل المراد ما يؤلم كلّ أحد.