فالرّجوع في التّعيين (١) إلى القرائن ، وعند قيام القرينة على أنّه (٢) للتّخصيص يكون أوكد من قولنا : زيدا عرفت لما فيه من التّكرار (٣) ، وفي بعض النّسخ [وأمّا نحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(١) فلا يفيد إلّا التّخصيص (٥)] لامتناع أن يقدّر الفعل مقدّما ، نحو : أمّا فهديناهم ثمود ، لالتزامهم وجود فاصل بين أمّا والفاء
______________________________________________________
(١) أي تعيين كون التّقديم للتّأكيد أو التّخصيص.
(٢) أي زيدا عرفته ، للتّخصيص ، بأن كان المقام مقام اختصاص يكون قوله : «زيدا عرفته» آكد ، أي زائدا في التّأكيد من قوله : «زيدا عرفت» ، وهذا يقتضي أن يكون «زيدا عرفت» مفيدا للتّأكيد ، وليس كذلك ، بل لمجرّد الاختصاص ، فالأولى أن يقول : يكون مفيدا للتّأكيد أيضا لما فيه من التّكرار ، إلّا أن يقال : بأنّ التّخصيص يستلزم التّأكيد بخلاف العكس ، إذ ليس التّخصيص إلّا تأكيدا على تأكيد.
(٣) أي تكرار الإسناد المفيد للتّأكيد ، وإن كان غير مقصود منه التّأكيد ، بل المقصود هو التّخصيص ، إذ معلوم أنّ التّخصيص ليس إلّا تأكيدا على تأكيد.
وقيل : إنّ قوله : «آكد» بمعنى أبلغ في الاختصاص ، وقوله : «لما فيه من التّكرار» أي من تكرار الاختصاص ، أمّا الاختصاص الأوّل فقد استفيد من تقديم المفعول على الفعل المقدّر ، وأمّا التّخصيص الثّاني فهو مستفاد من عود الضّمير في الإسناد الثّاني على المفعول المتقدّم ، فكأنّ المفعول متقدّم في الإسناد المتكرّر.
(٤) أي بالنّصب فلا يفيد إلّا التّخصيص ، وأمّا على قراءة الرّفع ، فالتّقديم مفيد لتقوّي الحكم بتكرّر الإسناد.
(٥) أي دون مجرّد التّأكيد ، فالحصر بالنّسبة لمجرّد التّأكيد ، فلا يرد أنّ مع كلّ تخصيص تأكيد ، وإنّما حكم بالتّخصيص في هذه الآية دون تجويز غيره لامتناع أن يقدّر الفعل المفسّر المحذوف مقدّما على ثمود ، نحو : أمّا فهدينا ثمود ، لالتزامهم وجود فاصل بين أمّا والفاء ، وتقدير الفعل مقدّما على مفعوله يستلزم تفويت هذا الالتزام ، فلا يجوز تقدير الفعل مقدّما بدون الفاء ، لأنّ المقدّر هو الجواب والمذكور إنّما هو مفسّر ، والجواب لا بدّ من اقترانه بالفاء ، فلا يجوز تقديره مقدّما بدونها.
__________________
(١) سورة حم السّجدة : ١٧.