وأمّا الثّاني (١) فلأنّ التّنافي بحسب اعتقاد المخاطب معلوم ممّا ذكره في تفسيره أنّ قصر القلب هو الّذي يعتقد فيه المخاطب العكس ، فيكون هذا الاشتراط ضائعا ، وأيضا لم يصحّ (٢) قول المصنّف في الإيضاح أنّ السّكّاكي لم يشترط في قصر القلب تنافي الوصفين. وعلّل (٣) المصنّف رحمهالله اشتراط تنافي الوصفين بقوله : ليكون إثبات
______________________________________________________
(١) أي كون المصنّف أراد تنافي الوصفين في اعتقاد المخاطب لا بحسب نفس الأمر ، فلا يصحّ أن يكون هذا هو المراد لما ذكره الشّارح حيث قال : «فلأنّ التّنافي بحسب اعتقاد المخاطب معلوم ممّا ذكره في تفسيره أنّ قصر القلب هو الّذي يعتقد فيه المخاطب العكس ، فيكون هذا الاشتراط ضائعا» ، أي لغوا ، لأنّ التّنافي بحسب اعتقاد المخاطب مستفاد من كون المخاطب معتقدا للعكس ، وهذا هو المراد بالتّنافي في اعتقاد المخاطب ، فدلّ هذا على أنّ مراده تنافي الوصفين في الواقع ، لا بحسب اعتقاد المخاطب.
(٢) أي على إرادة هذا الاحتمال ، لم يصحّ قول المصنّف في الإيضاح الّذي هو كالشّرح لهذا الكتاب ، وحاصل كلام الشّارح : أنّه لو كان مراد المصنّف من التّنافي التّنافي بحسب اعتقاد المخاطب ، لم يصحّ قول المصنّف في الإيضاح معترضا على السّكّاكي ، أنّه لم يشترط في قصر القلب تنافي الوصفين كما شرطناه ، وذلك لأنّ السّكّاكي قد شرط فيه كون المخاطب معتقدا للعكس ، وهذا هو المراد بالتّنافي في اعتقاد المخاطب ، فمن هنا يظهر أنّ مراد المصنّف من تنافي الوصفين تنافيهما في الواقع ، لا بحسب اعتقاد المخاطب ، إذ يبعد أن يعترض المصنّف على السّكّاكي بما هو قائل ومعترف به ، وإنّما يعترض عليه بما تحقّق إهماله له ، وهو التّنافي في نفس الأمر ، لأنّه ممّا أهمله السّكّاكي.
(٣) أي في الإيضاح ، وأشار الشّارح بهذا إلى بطلان دليل المصنّف بعد ما أبطل مدّعاه من اشتراط الشّرط المذكور ، وهو قوله في الإيضاح ليكون إثبات الصّفة مشعرا بانتفاء الأخرى ، أي إنّما اشترط في قصر القلب تنافي الوصفين لأجل أن يكون إثبات الصّفة مشعرا بانتفاء الأخرى ، انتهى.
فإذا قيل : ما زيد إلّا قائم ، كان إثبات القيام مشعرا بانتفاء القعود ، ولم يحصل ذلك الإشعار ، إلّا إذا كان الوصفان متنافيين في نفس الأمر.