ولمّا اختلفوا (١) في إفادة إنّما القصر ، وفي تضمّنه (٢) معنى ما وإلّا بيّنه (٣) بثلاثة أوجه ، فقال : [لقول المفسّرين : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(١) بالنّصب (٤) ، معناه ما حرّم عليكم إلّا الميتة (٥) و] هذا المعنى [هو المطابق لقراءة الرّفع]
______________________________________________________
(١) أي فقال بعضهم : إنّها لا تفيد الحصر ، وقيل : تفيده عرفا ، وقيل : عرفا واستعمالا.
(٢) عطف السّبب على المسبّب.
(٣) أي المذكور من إفادة إنّما الحصر ، ومن تضمّنها معنى ما وإلّا ، واستدلّ على تضمّن إنّما معنى ما وإلّا بثلاثة أوجه ، أشار إلى الأوّل بقوله : «لقول المفسّرين» الموثوق بتفسيرهم لكونهم من أئمّة اللّغة والبيان.
(٤) أي نصب (الْمَيْتَةَ).
(٥) وقيل : إنّ في هذا الاستدلال نظر ، لما فيه من الدّور ، لأنّ المفسّرين يستدلّون بقول أهل المعاني ، فإذا استدلّ أهل المعاني بقول المفسّرين جاء الدّور ، فالمناسب الاستدلال باستعمال العرب.
وأجيب عن ذلك بأنّ المفسّرين يستدلّون بكلام علماء المعاني ، هم المتأخّرون منهم ، والمراد بالمفسّرين الّذين استدلّ علماء البيان بكلامهم هم المتقدّمون من العرب العارفون بموضوعات الألفاظ نحو ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد ، فمن فسّر القرآن من أكابر الصّحابة قبل تدوين علم المعاني ، فلا مجال لتوهّم الدّور ، ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من تقييد المفسّرين بالعارفين الجواب عمّا ربّما يتخيّل من أنّه لا معنى للاستدلال على معنى لفظ لغويّ بقول المفسّرين ، فإنّه لا بدّ من أن يثبت من اللّغة ولا مجال للرّأي فيه.
وجه الظّهور إنّ التّمسّك بقولهم من حيث إنّهم عارفون باللّغة فهو من باب الاستدلال بالنّقل عن اللّغة لا من باب الاستدلال بما أدّى إليه حدسهم ورأيهم.
ثمّ قول المصنّف (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) بالنّصب مبتدأ ، وخبره قوله : «معناه ما حرّم عليكم إلّا الميتة».
__________________
(١) سورة النّحل : ١١٥.