فإنّ الانفصال إنّما يجوز عند تعذّر الاتّصال ، ولا تعذّر ههنا إلّا بأن يكون المعنى ما يقوم إلّا أنا ، فيقع بين الضّمير وعامله (١) فصل لغرض (٢) ثمّ استشهد على صّحة هذا الانفصال ببيت من يستشهد بشعره ، ولهذا (٣) صرّح باسمه ، فقال : (٤) [قال الفرزدق : أنا الذّائد] من الذّود ، وهو الطّرد [الحاميّ الذّمار] أي العهد ، وفي الأساس (٥) هو
______________________________________________________
لأنّا نقول : إنّ صحّة الانفصال تتوقّف على التّضمّن ثبوتا ، والتّضمّن يتوقّف على صحّة الانفصال إثباتا فلا دور فيه.
(١) وهو يقوم في المثال وقع الفصل بإلّا ، وليس إلّا لغرض وهو القصر.
فإن قيل : إنّ يقوم للغائب ، وأنا للمتكلّم ، ولا يكون ضمير المتكلّم فاعلا للغائب.
يقال في الجواب : بأنّ الفاعل في الحقيقة محذوف ، أي ما يقوم أحد إلّا أنا.
(٢) أي وهو الحصر.
(٣) أي لأنّ مراد المصنّف الاستشهاد على صحّة الانفصال مع التّمثيل لا مجرّد التّمثيل «صرّح باسمه» فالسّرّ في ذلك بيان أنّ البيت ممّا يصحّ أن يستشهد به.
(٤) أي قال المصنّف : قال الفرزدق :
أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما |
|
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي |
المعنى :
«الذّائد» بالذّال المعجمة والهمزة والدّال المهملة اسم فاعل من الذّود ، بمعنى الطّرد والمنع ، «الحامي» بالحاء المهملة اسم فاعل من الحماية ، وهو ككناية بمعنى منع الضّرر ، «الذّمار» بالذّال المعجمة والرّاء المهملة ككتاب ما يلزمك حفظه وحمايته ، «يدافع» مضارع من المدافعة بمعنى الدّفع ، «الأحساب» جمع حسب ، وهو بالحاء والسّين المهملتين ، ما يعدّه الإنسان من مفاخر نفسه ، وآبائه.
والشاهد فيه : انفصال الضّمير مع إنّما في قوله : «وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي».
(٥) أي يريد أن يبيّن أنّ الذّمار بمعنى العهد بحسب الأصل ، وأمّا بحسب العرف ، فهو بالمعنى الّذي ذكره صاحب الأساس.