من الذّنوب (١) ولإفادة هذا المعنى (٢) عدل عن النّصب المستغنى عن الإضمار (٣) إلى الرّفع المفتقر إليه (٤) ، أي لم أصنعه ، [وأمّا تأخيره] أي تأخير المسند إليه [فلاقتضاء (٥) المقام تقديم المسند] وسيجيء بيانه (٦)
______________________________________________________
والرابط محذوف ، أي كان في الأصل لم أصنعه ، أي لم أصنع شيئا.
(١) قوله : «من الذّنوب» إشارة إلى أنّ ذنبا نكرة عامّة بقرينة المقام وإن كانت واقعة في سياق الإثبات. وقيل : فيه إشارة إلى أنّ المراد من الذّنب هنا الذّنوب ، لأنّه اسم جنس يقع على القليل والكثير.
(٢) أي النّفي عن كلّ فرد ، عدل الشّاعر عن نصب كلّه إلى رفعه ، فقوله : «لإفادة» متعلّق بقوله : «عدل» ، فإنّه لو نصبه لأفاد تخصيص النّفي بالكلّ ، فيكون دليلا على أنّه فعل بعض الذّنب مع أنّ مراد الشّاعر أنّه لم يرتكب شيئا من الذّنب.
وبعبارة أخرى : أنّه عدل من النّصب المفيد لسلب العموم إلى الرّفع المفيد لعموم السّلب وشموله ، لأنّ المراد هو الثّاني دون الأوّل.
(٣) لأنّ كلّه على تقدير النّصب مفعول مقدّم للفعل المنفيّ أعني لم أصنع ، فلا يحتاج الفعل إلى تقدير شيء ، بخلاف الرّفع فيكون الفعل محتاجا إلى تقدير الضّمير كي يكون مفعولا ورابطا ، فيكون من أمثلة ما نحن فيه ، إذ يدلّ الكلام على براءة الشّاعر عن كلّ فرد من الذّنوب وهو المطلوب.
(٤) أي إلى الضّمير ، لأنّ كلّه بالرّفع مبتدأ و «لم أصنع» خبره لا بدّ في الخبر من ضميره.
(٥) بيان علّة تقديم المسند.
(٦) أي بيان تأخير المسند إليه يأتي في آخر بحث المسند حيث قال : «وأمّا تقديمه فلتخصيصه بالمسند إليه أو التّنبيه من أوّل الأمر على أنّه خبر لا نعت أو التّفاؤل أو التّشويق لى ذكر المسند إليه». وحاصل الكلام : إنّ تأخير المسند إليه فلاقتضاء المقام تقديم المسند ، مثل كونه عاملا ، أو له الصّدارة أو نحوهما.
فإن فلماذا لم يأت بالنّكات هنا ، وأحال فيما يأتي.
إنّ المصنّف نقل ذلك عن المطوّل ، ليكون إشارة إلى أنّ التّأخير للمسند إليه ليس من مقتضيات أحواله ، وإنّما هو من لوازمها ، ومقتضى الحال إنّما هو التّقديم للمسند ، فيلزم منه خير المسند إليه.