مقتضى الظّاهر [وقد ينزّل المجهول (١) منزلة المعلوم (٢) لادّعاء (٣) ظهوره ، فيستعمل (٤) له الثّالث] أي إنّما [نحو] قوله تعالى حكاية عن اليهود : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(١) (٥) ادّعوا أنّ كونهم مصلحين أمر ظاهر من شأنه أن لا يجهله المخاطب ولا ينكره ،
______________________________________________________
في هذا المثال الّذي نزّل فيه المعلوم منزلة المجهول بالطّريق الثّالث لا بالطّريق الثّاني. وإنّما قال الشّارح والأولى ، ولم يقل : والصّواب كي يكون إشارة إلى إمكان الجواب عنه بأنّه يجوز أن يكون هذا المثال على مقتضى الظّاهر من غير تنزيل ، لأنّ المقصود منه ترقيق المخاطب ، لا إفادة الحكم ، فكونه معلوما له لا يضرّ ، والقصر للمبالغة في التّرقيق ، لأنّه يفيد تأكيدا على تأكيد.
(١) أي المجهول عند المخاطب.
(٢) أي منزلة الحكم الّذي من شأنه أن يكون معلوما عند المخاطب بحيث لا يصرّ على إنكاره ، فلا ينافي أنّه مجهول له بالفعل ، وليس المراد منزلة المعلوم له بالفعل ، لأنّ المعلوم بالفعل ليس محلّا للقصر.
(٣) علّة للتّنزيل ، أي ينزّل المجهول منزلة المعلوم لادّعاء المتكلّم ظهوره ، وأنّ إنكاره ممّا لا ينبغي.
(٤) أي فبسبب ذلك التّنزيل يستعمل فيه الطّريق الثّالث من طرق القصر وهو إنّما.
(٥) قال الله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) نزّلت الآية في حقّ المنافقين من اليهود لعنة الله عليهم ، والمراد أنّه إذا قيل للمنافقين (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي ، وصدّ النّاس عن الإيمان (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فردّهم الله بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أي يدّعون الإصلاح ، وهم المفسدون وكاذبون في دعوى أنّهم مصلحون ، ولكن لا يعرفون أنّهم على ضلال وفساد.
والشّاهد : في (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) حيث استعملوا إنّما في إثباتهم الصّلاح لأنفسهم ، وهي إنّما تستعمل في الحكم الّذي من شأنه أن لا ينكر ، ولا يجهل لادّعائهم ظهور صلاحهم ، ففي استعممالهم إنّما في إثبات الصّلاح لادّعائهم ظهوره إشعار بأنّ نقيضه وهو فسادهم ظاهر الانتفاء حتّى لا يحتاج في نفيه إلى التّأكيد بالنّفي والاستثناء ، فقد أنكروا الفساد الّذي اتّصفوا به مبالغين في إنكاره حيث زعموا أنّ نفيه من شأنه أن يلحق بالظّواهر والضّروريات الّتي لا تنكر.
__________________
(١) سورة البقرة : ١١.