نحو : ما زيد قائما بل قاعدا [وأحسن مواقعها] أي مواقع إنّما [التّعريض (١) ، نحو : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) ،
______________________________________________________
منها الحكمان معا ، أي يعقل منها حكم الإثبات والنّفي المفادين بالحصر دفعة بخلاف العطف حيث يعقل أحد الحكمين أوّلا ، ثمّ الآخر ثانيا ، وأمّا النّفي والاستثناء والتّقديم ففيهما تعقّل الحكمين أيضا معا ، فلم تظهر هذه المزيّة لإنّما عليهما ، ولذلك لم يتعرّض المصنّف لهما.
أحسن مواقع إنّما التّعريض (١) وهو إمالة الكلام إلى جانب لينتقل الذّهن بمعونة المقام من هذا الجانب إلى جانب آخر هو المقصود ، كما إذا قلت عند مجادلتك مع أحد : لست زانيا ولا أختي زانية ، قصدا لتوبيخه ، فتميل كلامك إلى جانب ، أي تستعمله في معناه الموضوع له لينتقل الذّهن من هذا المعنى بمعونة كون المقام مقام المجادلة إلى المعنى الّذي هو مقصود لك أي ثبوت الزّنا لمقابلك وأخته ، أي أنت زان وأختك زانية.
لا يقال : إذا كان التّعريض بهذا المعنى ، فلا معنى لقوله : «وأحسن مواقعها» التّعريض ، لأنّ الاستعمال المذكور ليس موضع وقعت فيه إنّما ، فإنّه من قبيل المعنى ، وإنّما من مقولة اللّفظ ، وإنّما يكون موقعها الكلام المستعمل تعريضا.
لأنّا نقول : العبارة بتقدير مضاف ، أي أحسن مواقعها ذو التّعريض ، وهو الكلام ، وقد يطلق التّعريض على نفس الكلام المستعمل في معناه ليلوّح بغيره ، وعلى هذا فلا حاجة إلى التّقدير ، وإنّما كان التّعريض أحسن مواقعها لأنّ إفادة الحكم الّذي شأنها أن تستعمل فيه لا يهمّ المخاطب لكونه معلوما ، أو من شأنه أن يكون معلوما بخلاف المعنى الآخر الملوّح إليه ، فإنّه أهمّ لكون المخاطب جاهلا به مصرّا على إنكاره.
(٢) أي إنّما يتعقّل الحقّ أصحاب العقول ، وإنّك تجزم بأنّه ليس المراد ظاهره ، وهو حصر التّذكّر ، أي تعقّل الحقّ في أولي الألباب ، أي أصحاب العقول ، لأنّ هذا أمر معلوم ، بل هو تعريض بذمّ الكفّار بأنّهم من فرط ، أي تناهي جهلهم إلى الغاية القصوى يكونون كالبهائم ، ويترتّب على ذلك التّعريض التّعريض بالنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه لكمال حرصه على إيمان قومه يتوقّع التّذكّر من البهائم.