الباب السّادس الإنشاء
[الإنشاء (١)] اعلم أنّ الإنشاء (٢) قد يطلق (٣) على نفس الكلام الّذي ليس لنسبته خارج تطابقه (٤) أو لا تطابقه ، وقد يقال على ما هو فعل المتكلّم أعني إلقاء مثل هذا الكلام ، كما أنّ الإخبار كذلك
______________________________________________________
(١) الإنشاء في اللّغة يطلق على الإبداع والاختراع والإحداث والتّربية ، قال في أقرب الموارد : أنشأه إنشاء ، أي ربّاه تربية.
(٢) أي أعاد المظهر ، حيث قال : اعلم أنّ الإنشاء ، ولم يقل هو ، كي يكون إشارة إلى أنّ المراد بالإنشاء هو لفظ الإنشاء ، فمعنى العبارة : اعلم أنّ لفظ الإنشاء.
(٣) بيان لمعنى الإنشاء اصطلاحا ، فالإنشاء اصطلاحا يطلق على شيئين :
الأوّل : إنّه يقال على الكلام الّذي «لنسبته خارج» أي ليس للنّسبة المفهومة منه ، وهي النّسبة الكلاميّة نسبة خارجيّة.
(٤) أي تقصد مطابقة النّسبة الكلاميّة لهذا الخارج ، أو تقصد عدم مطابقتها له بالإرادة الجدّيّة ، هذا هو المراد من قوله : «تطابقه أو لا تطابقه» وليس المراد نفي وجود النّسبة الخارجيّة عن الكلام الإنشائيّ ، لأنّ الإنشاء لا بدّ له من نسبة خارجيّة تارة لا تكون مطابقة لنسبته الكلاميّة ، وأخرى تكون مطابقة لها ، فإنّ قولك : اضرب مثلا له نسبة كلاميّة ، وهي طلب الضّرب أعني مفهوم إثبات الضّرب على ذمّة المخاطب ، ونسبة خارجيّة ، وهي إمّا اعتبار هذا الثّبوت في نفسه أو عدم اعتباره فيه ، كما إذا قال : اضرب هذلا ، فعلى الأوّل تكون النّسبة الكلاميّة مطابقة للنّسبة الخارجيّة ، وعلى الثّاني غير مطابقة لها.
نعم ، على الأوّل لم تقصد المطابقة لعدم كونه مسوقا لقصد الحكاية عن الخارج ، بل إنّما مسوق لداعي البعث ، فالفرق بين الخبر والإنشاء إنّما هو من جهة وجود قصد الحكاية ، وعدم قصدها ، فالنّفي في قوله : «ليس لنسبته خارج» منصبّ على تطابقه ولا تطابقه ، وهما بمعنى قصد المطابقة ، وقصد عدمها ، هذا تمام في الأوّل.
والثّاني وهو ما أشار إليه بقوله : «وقد يقال على ما هو فعل المتكلّم ، أعني إلقاء مثل هذا الكلام» أتى بالعناية ، وقال : أعني إلقاء مثل هذا الكلام للإشارة إلى أنّ المراد من فعل المتكلّم ليس مطلق فعله ، بل خصوص إلقاء الكلام الإنشائي «كما أنّ الأخبار كذلك» أي يطلق على