فالهمزة (١) لطلب التّصديق] أي انقياد الذّهن وإذعانه (٢) لوقوع نسبة تامّة بين الشّيئين [كقولك : أقام زيد (٣)] في الجملة الفعليّة ، [وأزيد قائم] في الجملة الاسميّة ، [أو] لطلب [التّصوّر] ، أي إدراك غير النّسبة (٤) [كقولك :] في طلب تصوّر المسند إليه [أدبس في الإناء أم عسل] عالما بحصول شيء في الإناء طالبا لتعيينه ،
______________________________________________________
(١) شروع في بيان تفصيل مواقع هذه الألفاظ.
(٢) عطف الإذعان على انقياد الذّهن عطف تفسير ، والمراد بالإذعان لوقوع النّسبة إدراك وقوعها أو لا وقوعها ، فكأنّه قال : الهمزة لطلب التّصديق الّذي هو إدراك وقوع نسبة تامّة بين شيئين أو لا وقوعها ، أي إدراك موافقتها لما في الواقع أو عدم موافقتها له.
(٣) أي فقد تصوّرت القيام ، وزيدا والنّسبة بينهما ، وسألت عن وقوع النّسبة بينهما هل هو محقّق خارجا أو لا؟ فإذا قيل : قام حصل التّصديق ، والحاصل إنّ السّائل عالم بأنّ بينهما نسبة متلبّسة بالوقوع أو اللّا وقوع ، ويطلب تعيين ذلك ، وكذا يقال في المثال الثّاني.
(٤) الأولى أن يقول : غير وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، وذلك كإدراك الموضوع والمحمول ، والنّسبة الّتي هي مورد الإيجاب والسّلب ، وإنّما كان الأولى ما قلناه ، لأنّ كلامه يفيد أنّ إدراك النّسبة من حيث ذاتها ليس تصوّرا ، مع أنّه تصوّر ، إلّا أن يقال : المراد غير النّسبة من حيث وقوعها ولا وقوعها ، فدخل فيه إدراك ذات النّسبة ، واعلم أنّ الفرق بين الاستفهام بالهمزة عن التّصوّر والاستفهام بها عن التّصديق من وجهين : لفظيّ وإنّ ما صلح أن يؤتى بعده بأم المنقطعة دون المتّصلة استفهام عن التّصوّر ، وما صلح أن يؤتى بعده بأم المّصلة فهو استفهام عن التّصديق ومعنويّ ، وهو أنّ الاستفهام عن التّصديق يكون عن نسبة تردّد الذّهن فيها بين ثبوتها ونفيها ، والاستفهام عن التّصوّر يكون عند التّردّد في تعيين أحد الشّيئين.
لا يقال : إنّ جعل الهمزة في المثالين المذكورين لطلب التّصوّر يستلزم طلب تحصيل الحاصل ، لأنّ تصوّر الطّرفين حاصل قبل السّؤال ، لأنّه متصوّر للمسند إليه ، وهو الدّبس وللمسند وهو الكون في الإناء قبل السّؤال ، فلا يتفاوت تصوّر الطّرفين بعد السّؤال وقبله في الحصول للسّائل ، بل هو حاصل في الحالين.
فإنّا نقول : إنّ المراد بالتّصوّر هو التّصوّر على وجه التّعيين ، أي تصوّر المسند إليه من حيث إنّه المسند إليه ، وتصوّر المسند من حيث إنّه المسند ، وهذا غير التّصوّر الحاصل قبل السّؤال ، وهو التّصوّر على وجه الإجمال ، فلا يلزم طلب تحصيل ما هو حاصل.