لذلك (١) فلأنّ التّصديق (٢) هو الحكم بالثّبوت أو الانتفاء ، والنّفي والإثبات إنّما يتوجّهان (٣) إلى المعاني والأحداث الّتي هي مدلولات الأفعال ، لا (٤) إلى الذّوات الّتي هي مدلولات الأسماء [ولهذا] أي لأنّ لها مزيد اختصاص بالفعل [كان (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(١) أدلّ (٥) على طلب الشّكر من فهل تشكرون ، وفهل أنتم تشكرون].
______________________________________________________
(١) أي لمزيد اختصاصها بالفعل ، وهو مفعول» باقتضاء» واللّام للتّقوية.
(٢) أي فلأنّ التّصديق هو الإذعان بثبوت شيء لشيء في القضيّة الموجبة ، وبانتفاء ثبوت شيء لشيء في القضيّة السّالبة.
(٣) اعترض عليه أنّ النّفي والإثبات هو الحكم الّذي هو عبارة عن الإذعان بثبوت شيء لشيء ، أو انتفاء ثبوت شيء عن شيء ، ولا ريب أنّ الإذعان لا يتوجّه إلى المعاني والأحداث ، وإنّما هو يتعلّق بالثّبوت والانتفاء ، وهما متوجّهان إلى المعاني والأحداث ، فكان عليه أن يقول : وهما ، أي الثّبوت والانتفاء يتوجّهان ...
وأجيب عن ذلك بأنّ المراد بالنّفي والإثبات الثّبوت والانتفاء ، وإنّما عبّر عنهما بهما تفنّنا ، فمحصّل كلامه : إنّ التّصديق الّذي اختصّت هل به متعلّق بالأفعال بواسطة أنّ متعلّقه وهو الثّبوت والانتفاء يتوجّهان إلى المعاني والأحداث الّتي هي مدلولات الأفعال ، فلذا كان تعلّقهما بالفعل أشدّ.
(٤) أي لا يتوجّه النّفي والإثبات إلى الأمور القائمة بأنفسها من حيث إنّها اعتبرت كذلك ، نعم ، إذا اعتبرت قائمة بغيرها فحينئذ يتوجّه النّفي والإثبات إليها.
(٥) خبر كان ، والمعنى : «كان (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ») أي الّذي عدل فيه عن الفعل إلى الجملة الاسميّة ، لأنّ قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر أي على طلب حصوله في الخارج ، لأنّ المراد هو حصول الشّكر في الخارج دون الاستفهام ، لامتناعه من علّام الغيوب.
والحاصل إنّ قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر من الجملتين الأخيرتين ، لأنّهما يفيدان التّجدّد دون الثّبوت والاستمرار.
والحاصل : إنّ الصّور ستّ ، لأنّ الاستفهام إمّا بهل أو بالهمزة ، وكلّ منهما إمّا داخل على جملة فعليّة أو اسميّة خبرها فعل أو اسم ، و (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر من الخمسة الباقيّة لما ذكره المصنّف.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٨٠.