والمستقبل (١) وهو الزّمان الّذي يترقّب وجوده بعد هذا الزّمان (٢).
______________________________________________________
أحدهما : إنّ المراد بالقبليّة في المقام مجرّد التّقدّم الذّاتي لا التقدّم بالزّمان ، فيكون المعنى إنّ الزّمان الماضي هو الزّمان المتقدّم على زمان تكلّمك ، فإذا لا يلزم شيء من المحذورين.
وثانيهما : إنّ الظّرفيّة في المقام من قبيل ظرفيّة العامّ للخاصّ ، يعني أنّ الماضي هو الزّمان المتحقّق في أجزاء الزّمان الّذي قبل زمان تكلّمك ، وهذا المقدار يكفي في صحة الظّرفيّة ، ورفع استحالة لزوم ظرفيّة الشّيء لنفسه ، كما يقال : زيد في القوم واحد ، أي منفرد وممتاز في صفاته منهم.
(١) «المستقبل» بكسر الباء على صيغة اسم الفاعل ، وبفتح الباء على صيغة اسم المفعول وكلاهما منقول وموافق للمعقول ، لأنّ الزّمان يستقبلك ، كما أنت تستقبله.
وقيل : إنّ الأوّل هو الصّحيح ، لأنّ زمان الاستقبال يستقبل ، أي يتوجّه إلى جانب الحال والاستقبال التّوجّه ، فإذا كان متوجّها موصوفا بالتّوجّه فهو مستقبل بكسر الباء ، لا مستقبل بفتح الباء.
(٢) ربّما يرد على تعريف المستقبل مثل ما تقدّم في تعريف الماضي ، فيقال : إنّ قوله : «يترقّب» دالّ على الزّمان المستقبل ، فيلزم أن يترقّب وجود المستقبل في المستقبل ، لأنّ الزّمان المستقبل الّذي هو مدلول بترقّب ، كما هو ظرف للتّرقّب ظرف لوجود الزّمان المستقبل أيضا ، إذ لا معنى لترقّب وجوده في الماضي أو الحال ، فيكون في الزّمان المستقبل ، فيلزم أن يكون الشّيء ظرفا لنفسه إن فرض اتّحادهما ، أو يكون للزّمان زمان إن فرض تغايرهما.
وأجيب عن ذلك بأنّ المراد بقوله : «يترقّب وجوده» مجرّد تأخّر وجوده ، فكأنّه قال : الزّمان المستقبل هو الزّمان الّذي يكون وجوده متأخّرا عن الزّمان الّذي تتكلّم فيه ، فحينئذ لا يلزم ما ذكر من المحذورين ، ويؤيّد ما ذكرناه ما أفاده بعض الأعلام من أنّ الأفعال الواقعة في التّعاريف لا تدلّ على الزّمان.
ويمكن أن يقال بأنّ المراد بقوله : «يترقّب» هو الترقّب في الحال لا التّرقّب في المستقبل ، فإذا لا مجال للإشكال.
قال الدّسوقي في شرح قوله : «الّذي يترقّب وجوده» ، أي ينتظر وجوده ، أي من شأنه الانتظار إلى وجوده ، أي الزّمان المتأخّر بعد هذا الزّمان ، أي الحاضر ، وحينئذ لا يلزم أن يكون