نحو : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ)(١) (١) ، أي كم آية (٢) آتيناهم أعشرين أم ثلاثين ، فمن آية مميّز كم بزيادة من ، لما وقع من الفصل بفعل متعدّ بين كم ومميّزها ، كما ذكرنا في الخبريّة ، فكم ههنا للسّؤال عن العدد ، لكنّ الغرض من هذا السّؤال هو التّقريع والتّوبيخ (٣).
________________________________________
المصنّف ، فلا يحتاج لجواب.
(١) بعدها : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢١١) المعنى سل يا محمّد بني إسرائيل ، أي أولاد يعقوب ، وهم اليهود الّذين كانوا حول المدينة ، والمراد علماؤهم ، كم أعطيناهم من حجّة ظاهرة مثل اليد البيضاء ، وقلب العصا حيّة ، وفلق البحر ، فبدّلوا نعمة الله وسخروا بآياته ، ومن يبدّل الشّكر بالكفران من بعد ما جاءته ، فإنّ الله شديد العقاب.
(٢) أي آية ، في قوله : (مِنْ آيَةٍ) تمييز لكم ، وكم مفعول لقوله : (آتَيْناهُمْ) والتّقدير : كم آية آتيناهم أعشرين أم ثلاثين أو غير ذلك ، وجرّ التمييز ، أعني (آية) ب (من) الزّائدة للفصل بين كم ومميّزها بفعل متعدّ ، فلو لم تدخل (من) على التّمييز لتوهّم أنّه مفعول للفعل ، وقد تقدّم هذا في كم الخبريّة هنالك.
والفرق بين كم الاستفهاميّة والخبريّة : أنّ الاستفهاميّة لعدد مبهم عند المتكلّم معلوم عند المخاطب في ظنّ المتكلّم والخبريّة لعدد مبهم عند المخاطب ، ربّما يعرفه المتكلّم ، وأمّا المعدود فهو مجهول في كليهما ، فلذا احتيج إلى المميّز للمعدود ، ولا يحذف إلّا لدليل ، وأنّ الكلام مع الخبريّة يحتمل الصّدق والكذب بخلافه مع الاستفهاميّة.
(٣) أي الغرض من السّؤال هو التّوبيخ على عدم اتّباع مقتضى الآيات مع كثرتها ، وبيانها ، وحينئذ فالمعنى :
قل لهم هذا الكلام ، فإذا أجابوك بأنّنا آتيناهم آيات كثيرة ، فوبّخهم على عدم الاتّباع مع كثرة الآيات ، وإنّما كان الغرض من هذا الاستفهام التّقرير والتّوبيخ ، وليس الغرض به استعلام مقدار عدد الآيات من جهة بني إسرائيل ، لأنّ الله تعالى علّام الغيوب ، فلو كان المراد مجرّد علم مقدار الآيات لأعلم الله نبيّه بقدرها وتولّى ذلك الإعلام ، فتعيّن أن يكون الغرض به التّقريع والتّوبيخ.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢١١.