غفلت عنه كان مخزونا في العقل الفيّاض. ووجه تسميته بالفيّاض : أنّهم يقولون : إنّ ذلك العقل هو المفيض للكون والفساد على جميع ما فوق كرة الأرض من الحيوانات والنّباتات والمعادن.
وقسّموا القوّة العاقلة : إلى العمّالة والعلّامة ، وعرّفوا الأولى بأنّها قوّة يعرف بها ما شأنه أن يفعله الإنسان بإرادته ، وعرّفوا الثّانية بأنّها قوّة يعرف بها ما شأنه أن يعلمه الإنسان ، وذكروا لكلّ من العقل النّظري والعقل العملي أربع مراتب.
فقالوا : إنّ الأوّل :
إمّا استعداد محض ، وإمّا استعداد اكتساب ، وإمّا استعداد استحضار ، وإمّا كمال ، والأوّل كالقوّة الكائنة للطّفل الخاليّة عن جميع المدركات ، وسمّوها بالعقل الهيولاني تشبيها بالهيولى الخاليّة عن كافّة الصّور الجسميّة.
والثّاني :
كالقوّة الكائنة لمن أدرك البديهيّات ليتمكّن من إدراك النّظريّات بواسطتها وسمّوها بالعقل بالملكة ، والمراد بها ما يقابل العدم ، لأنّ العقل يتلبّس في هذه المرتبة بالوجوديّات الّتي هي البديهيّات السّتّ ، وأمّا العقل الهيولاني فهو قوّة محضة خالية عن جميع الوجوديّات فبينهما تقابل العدم والملكة.
والثّالث :
كالقوّة الكائنة لمن اكتسب النّظريّات من البديهيّات ، وهي مخزونة في العقل الفعّال ، وبتلك القوّة يتمكّن من استحضارها من شاء بمجرّد الالتفات من دون نظر جديد ، وسمّوها بالعقل بالفعل.
والرّابع :
كالقوّة الكائنة لمن يكون جميع العلوم مستحضرا عنده ، وسمّوها بالعقل المستفاد.
هذا تمام الكلام في مراتب العقل النّظري ، وأمّا مراتب العقل العمليّ فهي : تجلية ، وتخلية ، وتحلية ، وفناء.
أمّا التّجلية : فهي تهذيب الظّاهر باستعمال الشّرائع النّبويّة والنّواميس الإلهيّة به ، أي بالعقل