وأنّى (١) تستعمل تارة بمعنى كيف] ويجب أن يكون بعدها (٢) فعل [نحو : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١)] أي على أيّ حال (٣) ، ومن أيّ شقّ أردتم (٤) بعد أن يكون المأتي (٥) موضع الحرث ، ولم يجىء أنّى زيد ، بمعنى كيف (٦) هو [وأخرى بمعنى من أين ، نحو : (أَنَّى لَكِ هذا) (٧)] أي من أين لك هذا الرّزق الآتي كلّ يوم ، وقوله :
________________________________________
في غيره ، وظاهر كلام النّحويّين حيث قالوا : إنّها كمتى تستعمل للتّفخيم وغيره. وكيف كان فالشّاهد في الآية أنّه قد استعملت فيها أيّان للتّعظيم والتّفخيم بشأن يوم القيامة ، وجواب هذا السّؤال هو (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١٣) ، ثمّ في الكلام حذف مضاف ، أي أيّان وقوع يوم القيامة ، فلا يرد أنّ يوم القيامة كالجثّة ، فكيف أخبر عن الزّمان بالجثّة مع أنّه لا يخبر به إلّا عن الحدث.
(١) أي الاستفهاميّة.
(٢) أي بعد أنّى يحتمل أن تكون أنّى حقيقة في الاستعمالين ، بأن تكون من قبيل المشترك ، وأن تكون مجازا في أحدهما ، وكيف كان فإذا استعملت بمعنى كيف ، يجب أن يكون بعدها فعل ، بخلاف كيف ، حيث لا يجب أن يكون بعده فعل ، وظاهره أنّه لا فرق بين الماضي وغيره ، وهو كذلك فالأوّل كالآية المذكورة في كلام المصنّف.
والثّاني كقوله تعالى : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
(٣) أي تفسير لأنّى ، بمعنى كيف ، أي كيف كان الإتيان من قيام أو اضطجاع.
(٤) أي من خلف أو أمام.
(٥) أي مكان الإتيان «موضع الحرث» ، وهو القبل دون الدّبر ، والظّاهر إنّ الحرث بمعنى المحروث ، وهو القبل ، فشبّه الفرج بالأرض المحروثة ، المني بالبذر ، والذّكر بالمحراث ، والولد بالنّبات.
(٦) أي من غير إيلاء الفعل ، فهذا ناظر إلى قوله : «ويجب أن يكون بعدها فعل».
(٧) الخطاب من زكريّا لمريم عليهمالسلام ، أي من أين لك هذا الرّزق بدليل قوله تعالى حكاية عنها : (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٢).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٢٣.
(٢) سورة آل عمران : ٣٧.