أو تماثل (١) فإنّ العقل بتجريده (٢) المثلين عن التّشخّص في الخارج يرفع التّعدّد] بينهما ، فيصيران (٣) متّحدين.
________________________________________
(١) أي أو يكون بينهما تماثل ، وذلك بأن يتّفقا في الحقيقة ، ويختلفا في العوارض ، فمثال ما إذا كان بينهما تماثل في المسند إليه ، كأن يقال : زيد كاتب ، وعمرو شاعر ، فبين زيد وعمرو تماثل في الحقيقة الإنسانيّة ، فكأنّه قيل : الإنسان كاتب ، والإنسان شاعر ، ومثال التّماثل في المسند نحو زيد أب لبكر ، وعمرو أب لخالد ، فأبوّة زيد وأبوّة عمرو حقيقتهما واحدة ، وإن اختلفتا بالشّخص ، فإذا جرّدتا عن الإضافة المشخّصة صارتا شيئا واحدا.
(٢) أي قوله : «فإنّ العقل ...» تعليل لكون التّماثل ما يقتضي بسبب العقل جمعهما في المفكّرة ، وبيان لوجه كون التّماثل جامعا عقليّا ، وهو في الحقيقة جواب عمّا يقال : إنّ إدراك العقل منحصر في الكلّيّات ، وإنّ المتماثلين قد يكونان من الجزئيّات الجسمانيّة ، والعقل لا يدرك الجزئيّات الجسمانيّة ، لأنّ العقل مجرّد عن المادّة والجزئيّات الجسمانيّة ليست مجرّدة عنها ، فلا تناسب العقل المجرّد ، والّذي يناسبه إنّما هو الكلّيّ والجزئيّ المجرّد ، وحيث كان الجزئيّ الجسماني لا يدركه العقل ، فكيف يجمع بينهما في المفكّرة.
وحاصل جواب المصنّف : إنّ العقل يدركهما بعد تجريدهما عن المشخّصات.
وقوله : بتجريد ، مصدر مضاف لفاعله ، وهو متعلّق ب «يرفع» والباء سببيّة ، والمراد بتجريد العقل للمثلين عن المشخّصات عدم ملاحظته لتلك المشخّصات الّتي فيها قوله : «عن التّشخّص» أي عن الصّفة المشخّصة أي المميّز لهما في الخارج الّتي بها يباين أحدهما الآخر من طول وعرض ولون ، قوله : «يرفع التّعدّد ...» أي يرفع العقل التّعدّد الحاصل بين المثلين كزيد وعمرو ، وهذه الجملة خبر إنّ في قوله : «فإنّ العقل» ، أي فإنّ العقل يرفع التّعدّد الحاصل بين المثلين بتجريد العقل لهما عن المشخّصات الخارجيّة.
(٣) أي فيصير المثلان متّحدين في الذّهن ، كالحيوان النّاطق حيث يصيران شيئا واحدا عند المفكّرة.