وجوديان أحدهما في غاية (١) الارتفاع والآخر في غاية (٢) الانحطاط. وهذا (٣) معنى شبه التّضادّ ، وليسا (٤) متضادّين لعدم تواردهما على المحلّ ، لكونهما من الأجسام دون الأعراض (٥) ، ولا من قبيل (٦) الأسود والأبيض. لأنّ
________________________________________
أحدهما في غاية الارتفاع والآخر في غاية الانحطاط.
(١) أي في كثرة الارتفاع.
(٢) أي في كثرة الانحطاط ، فالمراد بالغاية في الموردين هي الكثرة لا النّهاية ، لأنّ النّهاية لا تتحقّق بين السّماء والأرض ، وإنّما هي بين العرش وبين الماء الّذي تحت الأرض ، فالعرش في غاية الارتفاع والماء تحت الأرض في غاية الانحطاط.
فاندفع حينئذ ما يقال : إنّ السّماء الأوّل ليست في غاية الارتفاع ، لأنّ فوقها أرفع منها ، والأرض العليا ليست في غاية الانحطاط ، ولا حاجة إلى ما قيل في الجواب من أنّ المراد بالسّماء مجموع السّماوات وبالأرض مجموع الأرضين.
(٣) أي كون أحدهما في غاية الارتفاع والآخر في غاية الانحطاط معنى شبه التّضادّ.
(٤) أي إنّ السّماء والأرض لمّا لم يتعاقبا على موضوع أصلا لم يكونا متضادّين ، فهما خارجان من تعريف التّضادّ.
(٥) هذا ظاهر في أنّ مراده من المحلّ في تعريف التّضادّ هو الموضوع ، فعليه كان أولى هناك ذكر الموضوع مكان المحلّ ، وكيف كان فلا يكون السّماء والأرض من المتضادّين لعدم تحقّق ركن التّضادّ فيهما ، وهو إمكان تعاقبهما في موضوع واحد ، كالسّوادّ والبياض ، فإنّه من الممكن تعاقبهما في موضوع واحد.
(٦) هذا الكلام من الشّارح إشارة إلى سؤال وجواب ، أمّا السّؤال فهو أن يقال : إنّ المصنّف قد جعل الأسود والأبيض من قبيل المتضادّين باعتبار اشتمالهما على الوصفين المتضادّين ، فلماذا لم يجعل السّماء والأرض أيضا من هذا القبيل بهذا الاعتبار؟ فما هو الفرق بين المثالين؟
وأمّا الجواب : فهو أن يقال : إنّ السّماء والأرض ليسا من قبيل الأسود والأبيض ، لأنّ الوصفين المتضادّين في نحو الأسود والأبيض جزءان من مفهوميهما ، لأنّ الأسود شيء ثبت له السّواد ، والأبيض شيء ثبت له البياض ، بخلاف السّماء والأرض ، فإنّ الوصفين المتضادّين فيهما ، وهما الارتفاع والانحطاط ليسا داخلين في مفهوميهما ، بل هما لازمان لهما ، ولكونهما لازمين