والتّعجّب (١) نحو : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(١)] لأنّه كان لا يغيب عن سليمان عليهالسلام إلّا بإذنه ، فلمّا لم يبصره مكانه تعجّب من حال نفسه في عدم إبصاره إيّاه ، ولا يخفى (٢) أنّه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه ، وقول صاحب الكشّاف : نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره ، فقال : ما لي لا أراه ، على معنى أنّه لا يراه وهو (٣) حاضر لساتر ستره ، أو غير ذلك ، ثمّ لاح له أنّه غائب ، فأضرب عن ذلك ، وأخذ يقول :
________________________________________
إلى المتكلّم ، ولو سلّمنا أنّه استعمل في الاستبطاء فنقول : العلاقة هي علاقة السّببيّة والمسبّبيّة ، فإنّ الاستفهام عن عدد الدّعاء مسبّب عن الجهل وهو مسبّب عن كثرتها عادة أو ادّعاء ، فإنّ القليل يكون معلوما عادة ، وهي مسبّبة عن البطؤ عادة ، فاللّفظ الموضوع للمسبّب استعمل في السّبب ، ولا فرق في تلك العلاقة بين أن يكون أحد من المعنى الحقيقيّ أو المجازيّ مسبّبا عن الآخر بلا واسطة لو مع واسطة كما في المقام.
(١) قوله : «والتّعجّب نحو : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)» أخبر الله سبحانه عن قصّة سليمان فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي ما لهدهد لا أراه ، تقول العرب : ما لي لا أراك ، ومعناه ما لك فهو من القلب.
والشّاهد في الآية : مجيء ما الاستفهاميّة للتّعجّب مجازا.
(٢) علّة لمحذوف عطف على قوله : «تعجّب من حال نفسه» أي لأنّه استفهم عنها ، إذ لا يخفى أنّه لا معنى لاستفهام العاقل كسليمان عن حال نفسه ، لأنّ العاقل أدرى بحال نفسه من غيره ، فكيف يستفهم عنها من الغير ، ولمّا امتنع حمل الكلام على ظاهره ، حمل على التّعجّب مجازا ، لأنّ السّؤال عن الحال ، وهو السّبب في عدم الرّؤية يستلزم الجهل بذلك السّبب ، والجهل بسبب عدم الرّؤية يستلزم التّعجّب.
(٣) أي الهدهد حاضر ، وهذه الجملة حالية ، قوله : «لساتر» متعلّق بقوله : «لا يراه».
وحاصله : إنّ سليمان جازم بعدم رؤيته مع حضوره ، ومتردّد في السّبب المانع له من الرّؤية مع حضوره ، هل هو ساتر ستره أو غير ذلك ، فسأل الحاضرين عن ذلك السّبب الّذي منعه ، فقال لهم : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي ما السّبب في عدم رؤيتي له ، والحال أنّه حاضر ، فيكون الاستفهام على حقيقته.
__________________
(١) سورة النّحل : ٢٠.