التّجريد ، وعدم ملاحظة الخصوصيّات هو عين حضور الآخر فيها واقعا ، وكذلك حضور أحد المتضايفين عندها مستلزم لحضور الآخر في نفس الأمر ، فهذه الأمور إن كانت كلّيّة ، فلا ينبغي الشّكّ في صحّة نسبتها إلى العقل من ناحية كونها جامعة ، لأنّها مدركة بالعقل حينئذ ، وصالحة للجمع في نظره ، وإن كانت جزئيّة فبما أنّها مدركة بلا واسطة ، وبالعقل بواسطة الوهم ، وتكون صالحة للجمع في نظر كلّ منهما ، فصحّ أن تنسب إلى الوهم ، وإلى العقل في مرحلة الجامعيّة إلّا أنّه اختار نسبتها إلى العقل ، لكونه أشرف وأدقّ في إدراكه وحكمه.
والسّرّ في عدّ التّضادّ وشبهه ، وشبه التّماثل جامعا وهميّا ، إنّ العقل وإن كان يدركها إمّا بالذّات إن كانت كلّيّة وإمّا بالواسطة إن كانت جزئيّة ، إلّا أنّه يرى في كلّ من الفرضين أنّها غير صالحة لجمع الشّيئين في المفكّرة ، وذلك لعدم كون حضور أحدهما عين حضور الآخر ، أو مستلزما له عنده في هذه الفروض ، فمن ذلك لا تصحّ نسبتها إلى العقل في مرحلة الجامعيّة ، وأمّا الوهم فبما أنّه قوّة حيّالة ، وتبرز الشّبيهين بالتّماثل في معرض المثلين ، وترى المتضادّين والشّبيهين بهما مثل المتضايفين فتصحّ نسبتها إليه في مرحلة الجامعيّة على نحو الإطلاق ، ولا ينافي ذلك عدم إدراكه للأمور الكلّيّة لأنّها تدركها بواسطة العقل ، هذا كلّه في الأمور المذكورة السّتّة.
وأمّا التّقارن فهو أيضا إمّا كلّيّ إن لوحظ بالقياس إلى أمرين كلّيّين ، وإمّا جزئيّ إن لوحظ بالقياس إلى أمرين جزئيّين ، فعلى الأوّل مدرك بالعقل ، وعلى الثّاني مدرك بالوهم ، وليس للخيال طريق إلى إدراكه أصلا ، فعندئذ يتوجّه سؤال أنّه إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا ينسب إلى الخيال في مرحلة الجامعيّة.
وجوابه إنّ السّرّ في ذلك هو أنّ العقل ينتزع الكلّيّين المتقارنين من الصّور المقارنة في الخيال ، وكذلك ينتزع تقارنهما من تقارنها فيه ، فإنّ التّقارن الجزئيّ موجود فيه ، وإن لم يكن مدركا له حيث إنّ شأنه إدراك الصّور لا إدراك المعاني ، ولو لم يكن هذا التّقارن الكائن بين الصّور الجزئيّة في الخيال ، لمّا كان العقل واجدا لشيء يوجب اجتماع الأمرين الكلّيّين في المفكّرة ، وإنّما الجامع عنده هو التّقارن الكلّي المنتزع من هذا التّقارن ، وهو الأصل والعمدة في حديث الاجتماع ، فمن ذلك ينبغي أن ينسب كون التّقارن