أهو غائب ، كأنّه يسأل عن صحّة ما لاح له يدلّ على أنّ الاستفهام على حقيقته. [والتّنبيه على الضّلال ، نحو : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(١) (١) والوعيد ، كقولك لمن يسيء الأدب : ألم أؤدّب فلانا ، إذا علم] المخاطب (٢) [ذلك] وهو أنّك أدّبت فلانا ، فيفهم معنى الوعيد والتّخويف ، ولا يحمله على السّؤال [والتّقرير] أي حمل المخاطب (٣) على الإقرار بما يعرفه ، وإلجائه إليه ،
________________________________________
(١) إذ ليس القصد منه الاستفهام عن مذهبهم ، بل التّنبيه على ضلالهم ، وأنّهم لا مذهب لهم ينجون به ، والعلاقة بين التّنبيه على الضّلال والاستفهام أنّ في الاستفهام تنبيه المخاطب على المستفهم عنه ، وذلك مستلزم لتوجيه القلب له ، وتوجيه القلب إلى الطّريق الّذي تراه واضح الفساد ، والهلاك والضّلال مستلزم للتّنبيه إلى الضّلال الّذي هو لازم للتّنبيه عليه ، فهو مجاز مرسل من استعمال الدّالّ على الملزوم في اللّازم في الجملة.
(٢) أي إنّما يكون هذا وعيدا ، إذا علم المخاطب المسيء للأدب ذلك التّأديب الحاصل منك لفلان ، أي وأنت تعلم أنّه يعلم ذلك ، فلا يحمل كلامك حينئذ على الاستفهام الحقيقيّ ، لأنّه يستدعي الجهل ، وهو عالم أنّك عالم بتأديب فلان ، بل يحمله على مقصودك من الوعيد بقرينة كراهيّتك للإساءة المقتضية للزّجر بالوعيد ، والعلاقة بين الاستفهام والوعيد اللّزوم ، فإنّ الاستفهام ينبّه المخاطب على جزاء إساءة الأدب ، وهذا يستلزم وعيده لاتّصافه بإساءة الأدب ، فهو مجاز مرسل من استعمال اسم الملزوم في اللّازم.
(٣) إضافة حمل إلى المخاطب من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي حمل المتكلّم المخاطب على الاعتراف بالأمر الّذي استقرّ عنده من ثبوت شيء أو نفيه ، وإلجاء المخاطب إلى الإقرار والإلجاء ، قوّة الطّلب فيكون تفسيرا لما قبله ، والعلاقة بين الاستفهام والإقرار هي السّببيّة والمسبّبيّة ، فإنّ الاستفهام عن أمر معلوم للمخاطب وهو عالم بأنّ المستفهم عالم به موجب ، لأنّ أراد الحمل على الإقرار ، فاللّفظ الموضوع للسّبب قد استعمل في المسبّب.
__________________
(١) سورة التكوير : ٢٦.