وهذا (١) بخلاف ما يقال أبصرته بعيني وسمعته بأذني ، وكتبته بيدي في مقام يفتقر إلى التّأكيد
[المساواة (٢)]
قدّمها (٣) لأنّها (٤) الأصل المقيس عليه [نحو : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١) (٥)]
________________________________________
لا لفائدة ، لأنّ الأمس يدلّ على القبليّة لليوم لدخولها في مفهومه ، فيكون كالمين بالقياس إلى الكذب ، نعم ، هو غير مفسد ، لأنّه لا يبطل بوجوده المعنى.
(١) أي قبله ، وقوله : «هذا بخلاف ما يقال ...» ، دفع لما يقال من أنّه لماذا لم يجعل قبله بمنزلة عيني وأذني ويدي للتّأكيد ، فلا يكون حشوا.
وبعبارة واضحة إنّ زيادة «قبله» في البيت بمنزلة زيادة الأذن واليد والعين ، لأنّ السّمع ليس إلّا بالأذن والكتابة ليس إلّا باليد ، والإبصار ليس إلّا بالعين ، فكما لم يجعلوا ذلك حشوا ، بل جعلوه تأكيدا كذلك قبله.
وحاصل الجواب إنّ التّأكيد إنّما يكون عند خوف الإنكار ، أو وجوده ، أو تجويز الغفلة ، أو نحو ذلك ، ولا يصحّ شيء من ذلك هنا ، فزيادة «قبله» ليست لقصد التّأكيد لعدم اقتضاء المقام له ، بخلاف زيادة اليد والأذن والعين في المثال ، فإنّها لقصد التّأكيد ، وذلك لأنّ الإبصار قد يكون بالقلب ، فدفع بقوله : بعيني ، إرادته ، وقد يطلق السّمع على العلم ، فدفع بقوله : بإذني إرادته ، وقوله : كتبت ، قد يستعمل بمعنى أمرت بالكتابة ، فدفع بقوله : بيدي إرادته ، والحاصل إنّ التّأكيد إن اقتضاه المقام كما في الأمثلة المذكورة كان لفائدة لا حشوا ، وإلّا كان حشوا كما في البيت.
(٢) هذا شروع في الأمثلة بعد التّعريف.
(٣) أي قدّم المساواة على الإيجاز والإطناب في مقام التّمثيل.
(٤) أي المساواة الأصل ، أي أصل يقاس عليه الإيجاز والإطناب عند السّكّاكي ، ثمّ وجه تقديمها عليهما عند المصنّف قلّة مباحثها.
(٥) الإعراب : (وَ) حرف عطف ، (لا) حرف نفي ، (يَحِيقُ) بمعنى ينزل فعل مضارع ، (الْمَكْرُ السَّيِّئُ) نعت ومنعوت فاعل (يَحِيقُ) ، والتّوصيف بالشّيء لإخراج المكر الحسن ، وهو
__________________
(١) سورة فاطر : ٤٣.