أنّه متى قتل قتل كان داعيا له إلى أن لا يقدم على القتل. فارتفع بالقتل الّذي هو القصاص كثير من قتل النّاس بعضهم لبعض ، وكان بارتفاع القتل حياة لهم [ولا حذف فيه (١)] أي ليس فيه (٢) حذف شيء ممّا يؤدّي به أصل المراد واعتبار الفعل (٣) الّذي يتعلّق به الظّرف (٤) رعاية لأمر لفظي (٥) حتّى لو ذكر لكان تطويلا (٦) ، [وفضله (٧)] أي
________________________________________
(١) هذا من تمام العلّة ، وبيان تطبيق القاعدة الكلّيّة على المثال.
(٢) أي ليس في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ، حذف شيء ، ممّا يؤدّى به أصل المراد ، والواو في قوله : «ولا حذف فيه» للحال ، أي مع أنّه لا حذف شيء فيه ، فهو من إيجاز القصر ، والباء في قوله : «ممّا يؤدّى به» للسّببيّة.
(٣) المراد به الفعل اللّغوي ، أي الحدث فيشمل اسم فاعل ، وهذا جواب عمّا يقال إنّ في الآية حذفا كي يتعلّق به حرف الجار إذ لا بدّ له من متعلّق ، وحينئذ فلا يصحّ النّفي في قوله : «ولا حذف فيه».
وحاصل الجواب إنّ تقدير فعل أو اسم كي يتعلّق به المجرور إنّما هو لأمر لفظي كما تقدّم ، أي لمراعاة القاعدة النّحويّة المتعلّقة بالتّراكيب ، وهو أنّ المجرور لا بدّ له من متعلّق ، ولم يحتج لتقديره لعدم احتياج إفادة المعنى في العرف إليه ، وهذا ظاهر ، فإنّه لو قيل : زيد كان في الدّار ، بدل زيد في الدّار كان تطويلا في عرف الاستعمال.
(٤) يحتمل أنّه أراد به الجنس فيشمل الطّرفين ، أعني : (وَلَكُمْ) ، و (فِي الْقِصاصِ) ، أو أنّه أراد الأوّل ، والثّاني تابع في التّعلّق.
(٥) أي لقاعدة نحويّة موضوعة لأجل سبك تراكيب الكلام ، وهي أنّ كلّ جارّ ومجرور لا بدّ له من متعلّق يتعلّق به ، لأنّ اعتبار ذلك الفعل ممّا يتوقّف أصل المعنى.
(٦) الأحسن أن يقول : لكان حشوا ، لأنّ الزّائد متعيّن ، وأجاب بعضهم بأنّ مراد الشّارح بالتّطويل التّطويل اللّغوي وهو الزّائد لا لفائدة ، وإن كان متعيّنا فيشمل الحشو ، وإنّما لم يعبّر بالحشو رعاية للأدب في اللّفظ القرآني.
(٧) أي أراد المصنّف أنّ يفرّق بين الكلام القرآني والكلام الّذي جاء في ألسنتهم ليبيّن الفضل بين الكلاميين ، والفرق بين العبارتين فقال : «وفضله» ، أي فضل قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) على الكلام الّذي كان عندهم أوجز كلام في هذا المعنى ، وهو كون القتل أنفى القتل ، أي القتل يمنع القتل ، فتثبت به الحياة.