أي أهل (١) القرية [أو موصوف ، نحو : أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا] متى أضع العمامة تعرفوني (٢) الثّنية العقبة ، وفلان طلّاع الثّنايا ، أي ركّاب (٣) لصعاب الأمور وقوله : جلا ،
________________________________________
(١) هذا إيجاز حذف لمكان حذف المضاف ، وهو مفعول فضلة ولا ضير في عدّه جزء جملة لما ذكر من أنّ المراد بالجزء المعنى العامّ ، ثمّ إنّ هذا التّمثيل إنّما هو مبنيّ على أنّ القريّة لم يرد بها أهلها مجازا مرسلا بعلاقة الحاليّة والمحلّيّة ، وإلّا فلا حذف ولا يصحّ التّمثيل ، لكنّ الظّاهر عدم إرادة الأهل منها مجازا ، فإنّ هذا بعيد عن الأذهان غاية البعد.
(٢) وهذا البيت لسحيم بن وثيل الرّياحي من شعراء الجاهليّة ، وقيل لغيره ، «جلا» بالجيم ، يقال : فلان جلا الأمور ، أي كشفها ، «طلّاع» بالطّاء والعين المهملتين كشدّاد مبالغة من الطّلوع ، يقال : فلان طلع الجبّ ، أي علاه ، «الثّنايا» كسجايا جمع ثنيّة كسجيّة ، وهي بالمثلثة والنّون واليّاء ، العقبة وطريقة الجبل ، يقال : فلان طلّاع الثّنايا إذا كان ساميا لمعالي الأمور ، وراكبا لصعابها لقوّة رجوليّته ورفعة همّته ، بحيث لا يميل إلى أمور منخفضة ، لأنّ المعالي لا تكتسب إلّا من ارتكاب الصّعاب ، وحينئذ ففي قوله : «وطلّاع الثّنايا» تجوّز حيث شبّه صعاب الأمور بالثّنايا ، أي الأماكن المرتفعة كالجبال ، واستعار اسم المشبّه به للمشبّه على طريق الاستعارة المصرّحة ، وقوله : «طلّاع» ترشيح لكونه ملائما للمشبّه به ، «أضع» من الوضع ، «والعمامة» ككتابة معروفة ، أي متى أضع العمامة الّتي سترت بها وجهي من رأسي تعرفوني بأنّي من مشاهر الرّجال ومعارفهم ، وإني أهل العمامة والخصال المرضيّة ، ويحتمل أنّ المعنى متى أضع عمامة الحرب على رأسي ، وهي البيضة الحديد الّتي يلبسها المحارب على رأسه تعرفوني ، أي تعرفوا شجاعتي ، ولا تنكروا تقدّمي ، وغنايّ عنكم ، أو أنّ المعنى متى أضع العمامة الّتي فوق رأسي على الأرض تعرفوني شجاعا لأنّي عند وضعها أتشمّر للحرب ، وألبس البيضة ، وهي ما يستر الرّأس من الحديد فيظهر بذلك شجاعتي وقوّتي.
وكيف كان فالشّاهد في الشّطر الأوّل حيث إنّه إيجاز بسبب حذف الموصوف ، والتّقدير : أنا ابن رجل جلا ، وعليه ما على الأوّل ، فإنّ «رجل» ليس جزء جملة بل فضلة ، لأنّه مضاف إليه ابن.
(٣) صفة مبالغة من الرّكوب والمعنى كثير الرّكوب والتّفوق للأمور الصّعبة.