ما بعده] وهو قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ). [أو للدّلالة (١) على أنّه] أي جواب الشّرط [شيء لا يحيط به الوصف (٢)] أو لتذهب نفس السّامع كلّ مذهب ممكن مثالهما [(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)(١) (٣)]
________________________________________
عليه ، بل ما دلّ عليه متأخّر ، فكأنّه لم يذكر ما يدلّ عليه ، فيكون حذف الجواب لمجرّد الاختصار ، ولا يصغى إلى ما ذكره ابن السّبكي بأنّه لا يصحّ التّمثيل لمجرّد الاختصار بالآية ، لأنّه يمكن أن يكون حذف الجواب فيها من القسم الثّاني بأن يكون حذفه للإشارة إلى أنّهم إذا قيل لهم ذلك فعلوا شيئا لا يحيط به الوصف ، وجه عدم الإصغاء أنّ هذه الآية الشّريفة لمكان ذكر ما يدلّ على الجواب المحذوف لا تكون صالحة لأن يكون حذف الجواب للنّكتتين المذكورتين ، بخلاف الآية الآتية ، فإنّها لمكان عدم اكتنافها بما يدلّ على جوابه جديرة بالنّكتتين المذكورتين.
(١) عطف على قوله : «لمجرّد الاختصار» أنّ يكون حذف جواب الشّرط للدّلالة ...
(٢) أي لا يحصره وصف واصف ، بل هو فوق كلّ ما يذكر فيه من الوصف ، وذلك عند قصد المبالغة لكونه أمرا موهوبا منه في مقام الوعيد ، أو مرغوبا فيه في مقام الوعد ، والقرائن تدلّ على هذا المعنى ، ويلزم من كونه بهذه الصّفة ذهاب نفس السّامع إن تصدّى لتقديره كلّ مذهب ، فما من شيء يقدّره فيه إلّا ويحتمل أن يكون هناك أعظم من ذلك ، وهذان المعنيان أعني كونه لا يحيط به الوصف وكون نفس السّامع تذهب فيه كلّ مذهب ممكن مفهومهما مختلف ومصداقهما متّحد قد يقصدهما البليغ معا ، وقد يخطر بباله أحدهما فقطّ ، ولتباينهما مفهوما عطف الثّاني على الأوّل ، بأو فقال : أو لتذهب نفس السّامع في تقديره كلّ مذهب فيحصل الغرض من كمال التّرغيب أو التّرهيب ، ولاتّفاقهما مصداقا مثّل لهما بمثال واحد.
(٣) فقوله : (وَلَوْ تَرى) شرط حذف جوابه إظهارا لكونه لا يحيط به الوصف ، أو لتذهب نفس السّامع كلّ مذهب ممكن ، وتقديره لرأيت أمرا فظيعا مثلا ، وهو يحتمل أن يكون مثالا لهما على البدليّة أو مثالا لاجتماعهما حيث تقصد إفادتهما معا.
والحاصل أنّه إذا سمع السّامع (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ذهبت نفسه وتعلّقت بكلّ طريق ممكن وجعلته جوابا كسقوط لحمهم أو حرقهم أو ضربهم.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٢٧.