متقدّم على تكذيبه ، بل هو سبب لمضمون الجواب المحذوف أقيم (١) مقامه [أي فلا تحزن واصبر] ثمّ الحذف (٢) لا بدّ له من دليل [وأدلّته (٣) كثيرة : منها (٤) أن يدلّ العقل عليه] أي على الحذف ، [والمقصود الأظهر (٥) على تعيين المحذوف ،
________________________________________
عدم الحزن والصّبر ، فيقدّر الجواب ، والتّقدير وإن يكذّبوك فلا تحزن واصبر ، لأنّه قد كذّبت رسل من قبلك ، وأنت مساو لهم في الرّسالة ، فلك بهم أسوة.
(١) أقيم مقامه صفة لسبب ، أي أقيم ذلك السّبب مقام الجواب ، وهو المسبّب.
(٢) المراد من الحذف هو القسم الأوّل ، أي الّذي لم يقم فيه شيء مقام المحذوف ، وقد يقال :
إنّ النّحاة قد قسّموا الحذف إلى حذف اقتصار وحذف اختصار ، وفسّروا الحذف اقتصارا بأن يحذف لا لدليل ، فقد أثبتوا حذفا لا لدليل ، وحينئذ فلا معنى لقول الشّارح : «ثمّ الحذف لا بدّ له من دليل».
وأجيب عن ذلك بأنّ ما ذكره النّحاة مساهلة ، بل عبارة النّحاة المذكورة عبارة مختلّة أو اصطلاح لا مشاحّة فيه ، والحقّ أنّه لا حذف فيه ، بل صار الفعل قاصرا ، وإنّما يسمّونه حذفا نظرا إلى الفعل قبل جعله قاصرا.
(٣) أي أدلّة الحذف كثيرة.
لا يقال : بأنّ كثرة الدّليل إنّما هي بالقياس إلى تعيين المحذوف لا بالنّسبة إلى أصل الحذف ، فإنّ الدّليل عليه هو العقل فقطّ ، وكلامنا في دليل الحذف ، وهو واحد ، فإذا لا وجه لحديث الكثرة.
لأنّا نقول :
بأنّ كلّ ما دلّ على تعيين المحذوف يدلّ على أصل الحذف أيضا ، وحيث إنّ الأمر كذلك ، صحّ التّعبير بالكثرة ، نعم ، لو كان ما يدلّ على التّعيين غير دالّ على أصل الحذف لما كان لحديث الكثرة مجال إلّا أنّ الأمر ليس كذلك.
(٤) أي ومن الأدلّة ، وإنّما أتى بمن ليكون إشارة إلى أنّ هناك أدلّة أخرى لم يذكرها ، كالقرائن اللّفظيّة ، وهي الأغلب وقوعا ، والأكثر وضوحا.
(٥) أي بأن يدلّ العقل على كون الشّيء مقصودا بحسب العرف في الاستعمال ظاهرا عن غيره من المرادات لتبادره في الذّهن.