وشدّة شكيمته (١) ، فما ظنّكم بعذاب (٢) يكون المعذّب (٣) به مثله (٤) [ولهذا (٥) قال : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٣١)] زيادة لتعريف حاله ، وتهويل عذابه (٦) والاستبعاد (٧) نحو : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى)(١) (٨) فإنّه لا يجوز حمله على حقيقة الاستفهام ، وهو ظاهر ،
________________________________________
(١) أي شدّة طبيعته وشوكته.
(٢) أي بعذاب مهين شديد ، فهو أخوف وأشدّ وقد نجّيتكم منه فلتشكروني.
(٣) أي ينبغي أن يضبط المعذّب على اسم الفاعل.
(٤) أي مثل فرعون الموصوف بفرط العتوّ وشدّة الشّكيمة ، وتوضيح ما في المقام أن تقول :
إنّ المراد بهذا الاستفهام تفظيع أمر فرعون والتّهويل بشأنه ، وهو مناسب هنا ، لأنّه لمّا وصف عذابه بالشّدّة زيادة في الامتنان على بني إسرائيل بالإنجاء منه ، هوّل بشأن فرعون ، وبيّن فظاعة أمره ليعلم بذلك أنّ العذاب المنجى منه غاية في الشّدّة حيث صدر ممّن هو شديد الشّكيمة عظيم العتوّ ، فكأنّه قيل : نجّيناهم من عذاب من هو غاية في العتوّ والتّجبّر ، وناهيك بعذاب من هو مثله ، وحينئذ فاللّائق أنّكم تشكروني ، فكيف تكفروني!
(٥) أي ولأجل التّهويل بشأن فرعون قال : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١)) أي في ظلمه من المسرفين في عتوّه ، فكيف حال العذاب الّذي يصدر من مثله.
(٦) أي عذاب فرعون ، أشار بهذا إلى أنّ تعريف حاله من حيث تهويل عذابه لا من حيثيّة أخرى.
(٧) أي عدّ الشّيء بعيدا ، والفرق بينه وبين الاستبطاء : إنّ الاستبعاد متعلّقه غير متوقّع ، والاستبطاء متعلّقه متوقّع غير أنّه بطيء في زمن انتظاره.
(٨) والشّاهد : في مجيء أنّى للاسبعاد لاستحالة حقيقة الاستفهام عليه تعالى ، فطلب له معنى مجازيّ ، والمناسب هنا هو استبعاد تذكّرهم بدليل قوله : (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) فكأنّه قيل من أين لهم التّذكّر والرّجوع للحقّ ، والحال إنّه قد جاءهم رسول يعلمون أمانته ، فتولّوا وأعرضوا عنه ، بمعنى أنّ الذّكرى بعيدة من حالهم.
والعلاقة بين الاستفهام والاستبعاد : إنّ الاستفهام مسبّب عن استبعاد الوقوع ، لأنّ بعد الشّيء يقتضي الجهل به ، والجهل به يقتضي الاستفهام عنه.
__________________
(١) سورة الدّخان : ١٣ و ١٤.