[أو ليتمكّن (١) في النّفس فضل تمكّن] لما جبّل الله النّفوس عليه من أنّ الشّيء إذا ذكر مبهما ، ثمّ بيّن كان أوقع عندها (٢) [أو لتكمل لذّة العلم به] أي بالمعنى (٣) لما لا يخفى من أنّ نيل (٤) الشّيء بعد الشّوق والطّلب ألذّ [نحو : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(١) (٥) فإنّ (رَبِّ اشْرَحْ) يفيد طلب شرح لشيء ماله] أي للطّالب.
________________________________________
(١) عطف على قوله : «ليرى» فالمعنى أو أنّ الإيضاح بعد الإبهام ليتمكّن ذلك المعنى الموضّح بعدما كان مبهما في نفس السّامع زيادة تمكّن ، وذلك عند اقتضاء المقام ذلك التمكّن ، لكون المعنى ينبغي أن يملأ به القلب لرغبة أو لرهبة أو أن يحفظ لتعظيم أو عمل به.
(٢) أي عند النّفس ، والسّرّ في ذلك أنّ ورود المبهم يوجب توجّه النّفس إليه ، وتأمّله التّامّ نحوه ليجد طريقا موصلا إليه وأمرا رافعا لإجماله ، فإذا وقع الإيضاح في حال ذلك التّوجّه التّامّ ، والسّعي في تحصيله لينحفظ كمال الانحفاظ ، ثمّ إنّ هذا التّمكّن نكتة مستقلّة مع قطع النّظر عن كمال اللّذّة ، وإن كانا حاصلين معا.
(٣) أي لتكمل لذّة العلم بالمعنى للسّامع بسبب إزالة ألم الحرمان الحاصل بسبب عدم علمه بتفصيله ، وذلك لأنّ الإدراك لذّة ، والحرمان منه مع الشّعور بالمجهول بوجه ما ألم ، فإذا حصل له العلم بتفصيله ثانيا حصل له لذّة كاملة ، لأنّ اللّذّة عقب الألم أتمّ من اللّذّة الّتي لم يتقدّمها ألم ، إذ كأنّها لذّتان ، لذّة الوجدان ولذّة الخلاص عن الألم.
(٤) أي حصول الشّيء للشّخص بعد الشّوق الحاصل من الإشعار بالشّيء إجمالا ألذّ من نيله بدون ذلك ، لأنّ فيه لذّتين لذّة الحصول ، ولذّة الرّاحة بعد التّعب.
(٥) الشّاهد في قوله تعالى حكاية عن موسى على نبيّنا وعليه أفضل الصّلاة والسّلام قال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) حيث إنّ هذا المثال صالح لكلّ من النّكات الثّلاثة ، فالإيضاح فيه بعد الإبهام على بيّنه المصنّف إمّا ليرى المعنى في صورتين مختلفتين أو ليتمكّن المعنى في قلب السّامع ، أو لتكمل لذّة العلم به.
لا يقال : إنّ المخاطب بهذا الكلام هو الرّبّ تعالى وتقدّس ، ولا يصحّ أن يقال : ج إنّ موسى خاطبه بما يفيده علمين هما بالنّسبة إليه خير من علم واحد ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه خاطبه بما فيه تمكّن المعنى في ذهن السّامع ، ولا أنّه خاطبه بما يفيد كمال لذّة العلم للمخاطب.
__________________
(١) سورة طه : ٢٥.