من جهة الإطناب (١) بالإيضاح بعد الإبهام (٢) والإيجاز بحذف (٣) المبتدأ. [وإيهام الجمع بين المتنافيين] أي الإيجاز (٤) والإطناب ، وقيل (٥) : الإجمال والتّفصيل ، ولا شكّ أنّ إيهام الجمع بين التنافيين من الأمور المستغربة الّتي تستلذّ بها النّفس (٦) وإنّما قال : إيهام الجمع ، لأنّ حقيقة جمع المتنافيين أن يصدق على ذات واحدة وصفان (٧) يمتنع اجتماعهما (٨) على شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة ،
________________________________________
(١) أي فليس فيه إيجاز محض.
(٢) أي من حيث قيل : نعم رجلا زيد ، ولم يقل : نعم زيد.
(٣) أي بحذف المبتدأ الّذي هو صدر الاستئناف ، وحينئذ فليس فيه إطناب محض ، وحاصله إنّ نعم الرّجل زيد ، ليس من الإيجاز المحض لوجود الإطناب بالإيضاح بعد الإبهام ، ولا من الإطناب المحض ، لما فيه من الإيجاز بحذف جزء الجملة ، وحينئذ فهو كلام متوسّط بين الإيجاز المحض والإطناب المحض.
فحاصل ما هو مراد المصنّف في المقام : إنّ في باب نعم إبراز الكلام في صورة الكلام المعتدل ، أي المستقيم الّذي ليس فيه ميلان لمحض الإيضاح ، ولا لمحض الإبهام ، أمّا كونه ليس من الإيضاح المحض فلما فيه من الإيجاز بحذف المبتدأ والخبر ، وأمّا كونه ليس من الإبهام المض فلما فيه من الإطناب بذكر المخصوص الّذي وقع به الإيضاح.
(٤) أي لما عرفت أنّ في الكلام جهة الإيجاز وجهة الإطناب وهما أمران متنافيان.
(٥) أي قيل : إنّ المراد بالمتنافيين الإجمال والتّفصيل ، والتّعبير بلفظ قيل إشارة إلى ضعف هذا القول لأنّ الإجمال والتّفصيل يرجع إلى ما تقدّم من الإيضاح بعد الإبهام فيكون عين ما تقدّم ، فلا يصحّ جعله من سوى ما ذكر.
(٦) والسّرّ في ذلك إنّ الجمع بين المتنافيين كإيقاع المحال ، وهو ممّا يستغرب ، والأمر الغريب تستلذّ به النّفس.
(٧) فاعل لقوله : «يصدق».
(٨) أي يمتنع اجتماع الوصفين كالسّواد والبياض على شيء واحد من جهة واحدة ، والجهة في المقام ليست واحدة ، لأنّ الإيجاز من جهة حذف المبتدأ والإطناب من جهة ذكر الخبر بعد ذكر ما يعمّه ، فاختلفت الجهتان في المقام ، فلا يلزم جمع المتنافيين حقيقة.