[وإمّا بالإيغال] من أوغل في البلاد ، إذا أبعد فيها (١) ، واختلف (٢) في تفسيره [فقيل هو ختم البيت بما يفيد (٣) نكتة ويتمّ المعنى (٤) بدونها ، كزيادة المبالغة (٥)
________________________________________
واستعملت كلمة «ثمّ» فيه دلّت على أنّ ما بعدها أعلى وأبلغ من المذكور قبلها.
والتّحقيق في المقام : إنّ اصل «ثمّ» موضوعة لإفادة التّراخي والبعد الزّمانيّ ، ولكن قد تستعار للتّراخي والبعد الرّتبي المعنوي ، بمعنى أنّ المعطوف قد يكون مرتبة أعلى ممّا قبله فتستعمل فيه تنزيلا للتّفاوت في الرّتبة منزلة التّفاوت في الزّمان ، يعني يشبّه المتكلّم البعد الرّتبيّ بالبعد الحسّي الزّمانيّ بجامع مطلق البعد ، ثمّ يترك أركان الشّبه سوى اللّفظ الموضوع للمشبّه به ، وهو لفظ «ثمّ» ويستعمله في المشبّه على نحو الاستعارة التّصريحيّة ، فيكون لفظ «ثمّ» مستعملا في مجرّد التّدرّج في درج الارتقاء ، أي في البعد الرّتبيّ المجرّد من ملاحظة الزّمان والتّراخي فيه ، فمن ذلك يكون ناطقا ، بأنّ المعطوف به أعلى رتبة من المعطوف عليه ، وفي المقام البعد الرتّبيّ بين مضموني الجملتين المعطوفتين ، شبّه بالبعد الحسّي الزّماني ، ثمّ استعمل لفظ «ثمّ» في المشبّه ، فيشعر بأنّ مضمون الثّاني أعلى وأقوى من مضمون الأوّل.
(١) أي في البلاد ، أي قطع كثيرها ، وعلى هذا فتسمية المعنى الاصطلاحيّ إيغالا ، لأنّ المتكلّم قد تجاوز حدّ المعنى وبلغ زيادة عنه ، ويحتمل أن يكون مأخوذا من التّوغّل في الأرض إذا سافر فيها ، وعلى هذا فتكون تسمية المعنى الاصطلاحيّ إيغالا ، لكون المتكلّم أو الشّاعر توغّل في الفكر حتّى استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائدا على أصل معنى الكلام ، وكيف كان فهذا هو الأمر الرّابع من التّسعة.
(٢) مبنيّ للمفعول ، أي وقع الاختلاف في تفسير الإيغال اصطلاحا.
(٣) أي سواء كان ذلك المفيد للنّكتة جملة أو مفردا ، وقوله ختم البيت صريح في أنّ مسمّاه هو المعنى المصدريّ لا اللّفظ المختوم به.
(٤) أي يتمّ أصل المعنى بدونها.
(٥) أي كزيادة المبالغة في التّشبيه ، وهي تحصل بتشبيه الشّيء بما هو في غاية الكمال في وجه الشّبه الّذي أريد مدح المشبّه بتحقّقه فيه.