قلنا (١) : احتمال عقليّ لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له (٢) مساغ في اعتبارات البلغاء ، واستعمالاتهم فلا اعتداد به ، ولبعضهم (٣) هنا كلام طويل لا طائل تحته [والتّسخير (٤) نحو : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) (١) (٥) ، والإهانة (٦) نحو : (كُونُوا حِجارَةً
________________________________________
(١) وحاصل الجواب : إنّ الاستقرار دلّ على أنّ مثل هذا التّركيب يفهم منه الذّوق أنّ التّعجيز باعتبار المأتي به لا باعتبار المأتي منه ، وحينئذ فيفيد ثبوت المثل.
نعم ، ما ذكر من جعل التّعجيز باعتبار المأتيّ منه مجرّدا احتمال عقليّ ، بخلاف كون التّعجيز باعتبار انتفاء الوصف فإنّه شائع ، لأنّ القيود محطّ القصد.
(٢) أي لا يوجد لذلك الاحتمال العقليّ مجوّز في اعتبارات البلغاء.
(٣) أراد به الطّيّبي في حواشيّ الكشّاف.
(٤) أي جعل الشّيء مسخّرا ومنقادا ، والمقام المناسب له كون المأمور منقادا أو مطيعا للأمر بحيث لا يكون له القدرة على المخالفة والعلاقة هنا السّببيّة والمسبّبيّة ، فإنّ طلب حصول الشّيء عن المخاطب الّذي لا يقدر عليه مع حصوله بسرعة يوجب جعله مسخّرا ومنقادا ، فاللّفظ الموضوع للسّبب استعمل في المسبّب ، فالفرق بينه وبين التّكوين ، كما في قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) ، إنّ التّسخير تبديل حالة إلى حالة أخرى فيها مهانة ومذلّة ، والتّكوين هو الإنشاء من العدم إلى الوجود.
(٥) أي (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) أي صاغرين مطرودين عن ساحة القرب والعزّ ، وصدر الآية دليل واضح على أنّ المراد بالأمر التّسخير ، أي فلمّا خرجوا عن جادّة البشر العقلاء ، بتجبّرهم على خالقهم الحكيم الّذي لا يأمرهم إلّا لمصلحة تخصّهم ولا ينهاهم إلّا عن مفسدة تنقصهم ألحقناهم بالحيوانات العجم تنزّلا بهم إلى ما يليق بمثلهم.
(٦) وهي إظهار ما فيه تصغير المهان وقلّة المبالاة به والمقام المناسب له هو كون الآمر غير معتن بشأن المأمور بسبب من الأسباب والعلاقة هي السّببيّة والمسبّبيّة ، لأنّ طلب الشّيء من غير قصد حصوله في الواقع لعدم قدرة المأمور عليه مع كونه من الأحوال الخسيسة يوجب إظهار هونه وحقارته ، فاللّفظ الموضوع للسّبب استعمل في (حَدِيداً)(٣) المسبّب ، نحو :
__________________
(١) سورة البقرة : ٦٥.
(٢) سورة البقرة : ١١٧.
(٣) سورة الإسراء : ٥٣.