لأنّ (١) المدرك بالبصر ـ مثلا ـ إنّما هو لون الخدّ والورد ، وبالشّم رائحة العنبر ، وبالذّوق طعم الرّيق والخمر ، باللّمس ملاسة الجلد النّاعم والحرير ولينهما (٢) لا نفس (٣) هذه الأجسام ، لكن (٤) اشتهر في العرف أن يقال : أبصرت الورد ، وشممت العنبر ، وذقت الخمر ، ولمست الحرير [أو عقليّان (٥)
________________________________________
(١) بيان لعلّة تسامح في الأمثلة المذكورة ، وتوضيح ذلك : أنّ المدرك بالحواسّ الظّاهريّة ما يتعلّق بالأمور المذكورة من الأفعال والأوصاف ، لا نفس تلك الأشياء ، لأنّها أجسام والأجسام لا تدرك بها كما في علم الفلسفة ، فإنّ الفلاسفة أثبتوا أنّ المدرك بالحواسّ هو الأعراض وخواصّ الأجسام لا ذواتها.
(٢) قوله :
«ولينهما» عطف على «ملاسة» عطف مغاير على مغاير ، لأنّ الملاسة هي الصّقالة ، وهي غير اللّين.
(٣) عطف على قوله «لون الخدّ ...» ، أي لأنّ المدرك بالبصر هو لون الخدّ والورد ، وبالشّمّ رائحة العنبر ، وبالذّوق طعم الرّيق والخمر ، وباللّمس الجلد النّاعم لا نفس هذه الأجسام ، أي ليس المدرك بالحواسّ نفس هذه الأجسام ، لأنّها لا تدرك بها على ما في علم الحكمة ، بل إنّما تدرك بها الأعراض القائمة بالأجسام.
(٤) قوله : «ولكن اشتهر في العرف ...» بيان لوجه ارتكاب التّسامح في أكثر ما ذكر من الأمثلة ، واعتذار من قبل المصنّف ، حيث ساق كلامه مبنيّا على التّسامح لا التّحقيق.
وحاصل الاعتذار أنّ المصنّف ارتكب هذا التّسامح لما جرى في العرف من جعل هذه الأمور من المحسوسات ، فأتى الأمثلة على مذاقهم تسهيلا للأمر ، والحاصل إنّ العرف يجعلون نفس هذه الأمور من المحسوسات ، وليس الأمر كذلك كما عرفت.
نعم ، يمكن دفع هذا التّسامح بتقدير المضاف في كلام المصنّف بأن يقال : التّقدير كلون الخدّ ولون الورد ، ورائحة العنبر وطعم الرّيق والخمر ، وملاسة الجلد النّاعم والحرير ، إلّا أنّ هذا خلاف الظّاهر.
(٥) عطف على قوله : «إمّا حسّيّان» ، والمراد بالعقلي ما لا يدرك بإحدى الحواسّ الخمس الظّاهرة.