والسّنن بين الابتداع ، في كون كلّ منهما شيئا ذا بياض بين شيء ذي سواد ، ولا يخفى أنّ قوله : لاح بينهنّ ابتداع ، من باب القلب (١) ، أي سنن لاحت بين الابتداع. [فعلم (٢)] من وجوب اشتراك الطّرفين (٣) في وجه التّشبيه [فساد جعله] أي وجه الشبه [في قول القائل : النّحو في الكلام كالملح في الطّعام ، كون القليل مصلحا والكثير مفسدا (٤)] ، لأنّ المشبّه أعني النّحو لا يشترك في هذا المعنى ، [لأنّ النّحو لا يتحمّل القلّة والكثرة] إذ لا يخفى أنّ المراد به (٥) ههنا رعاية قواعده واستعمال أحكامه (٦) ، مثل رفع الفاعل ونصب المفعول به ، وهذه (٧) إن وجدت في الكلام بكمالها صار
________________________________________
وتشبيههم البدعة وكلّ ما فيه جهل بالظّلمة ، فإنّ الوهم حيّال خدّاع ، فبمجرّد ملاحظة هذين التّشبيهين المشهورين يخترع للسنّة ضياءا ، ويجعلها من الأجرام المظلمة المشرقة ، وللبدعة سوادا ويجعلها من الأجرام المظلمة ، فبعد ذلك يخترع من السّنن بين البدعة هيئة مخصوصة ، مثل هيئة انتزعها من النّجوم بين الدّجى ، فيشبه أحدهما بالأخرى في الهيئة الجامعة بينهما.
(١) أي الأولى أن يقول : ولا يخفى أنّ قوله سنن لاح بينهنّ ابتداع من باب القلب بزيادة سنن ، فالمعنى سنن لاحت بين الابتداع ، وذلك لأنّه جعل في جانب المشبّه النّجوم الّتي هي نظير السّنن في جانب المشبّه به بين الدّجى ، فلتجعل السّنن في جانب المشبّه به بين الابتداع ليتوافق الجانبان.
(٢) تفريع على قوله : «ووجهه ما يشتركان فيه تحقيقا أو تخييلا».
(٣) أي المشبّه والمشبّه به.
(٤) أي لأنّ كون القليل مصلحا والكثير مفسدا موجود في الكلام فقطّ ، فلا يشترك فيه المشبّه والمشبّه به ، فإنّ النّحو لا يتحمّل القلّة والكثرة ، بل أمره دائر بين الوجود والعدم.
(٥) أي بالنّحو في المقام رعاية قواعده المرعيّة ، واستعمال أحكامه.
(٦) عطف تفسير على «رعاية قواعده».
(٧) أي المذكورات من رفع فاعل ونصب المفعول إن وجدت في الكلام بكمالها صار صالحا لفهم المراد ، وإن لم توجد بقي الكلام فاسدا ولم ينتفع به أصلا ، فلا يكون مردّدا بين القلّة والكثرة أصلا ، بل مردّد بين الصّلاح والفساد.