والصّوت الضّعيف بالهمس ، والنّكهة بالعنبر ، والرّيق بالخمر ، والجلد النّاعم بالحرير ، في كون الخفاء من المسموعات ، والطّيب من المشمومات ، واللذّة من المذوقات تسامح (١).
[و] الواحد [العقليّ (٢) كالعراء (٣) عن الفائدة والجرأة] على وزن الجرعة (٤) أي الشّجاعة ، وقد يقال : جرأ الرّجل جرأة بالمدّ (٥) ، [والهداية] أي الدّلالة (٦)
________________________________________
والمصنّف مثّل للواحد الحسّيّ بأمثلة خمسة ، ولم يقتصر في التّمثيل له على مثال واحد نظرا إلى تعدّد الحواسّ ، وكونها خمسة.
(١) وجه التّسامح أنّ الخفاء والطّيب واللذّة أمور عقليّة غير مدركة بالحواسّ ، وإنّما المدرك بالسّمع الصّوت الخفي ، لا الخفاء ، لأنّ الخفاء أمر عقلي ، والمدرك بالشمّ رائحة الطّيب ، لا الطّيب ، لأنّه أمر عقلي ، والمدرك بالذّوق طعم الخمر ، لا لذّته. نعم ، لا تسامح في جعل لين الملمس من الملموسات.
(٢) أي الواحد العقليّ على أربعة أقسام ، لأنّ طرفيه إمّا حسّيّان أو عقليّان ، أو المشبّه به حسّيّ والمشبّه عقلي ، أو عكسه ، فلذا مثّل له المصنّف بأمثلة أربعة.
(٣) أي الخلوّ عن الفائدة.
(٤) أي بضمّ الجيم ، كالقرعة بمعنى بقيّة الماء في الكأس.
(٥) أي بالمدّ وفتح الجيم ككراهة ، ويقال فيه أيضا : جرائيّة كالكراهيّة ، ويقال فيه أيضا :
جرة ككرة ، ثمّ تفسير الجرأة بالشّجاعة مبني على اصطلاح اللّغويّين ، من ترادفهما بمعنى أنّ اقتحام المهالك سواء كان صادرا عن رويّة ، أو لا يقال له جرأة وشجاعة ، هذا خلاف اصطلاح الحكماء من أنّ الجرأة أعمّ من الشّجاعة ، لأنّ الاقتحام المذكور إن كان عن رويّة فهو شجاعة ، وأمّا الجرأة فهي اقتحام المهالك مطلقا ، وإنّما عبّر المصنّف بالجرأة دون الشّجاعة ، مع اشتهار جعلها وجه شبه في تشبيه الإنسان بالأسد ، لأجل صحّة المثال عن كلّ من اصطلاح الحكماء واللّغويّين ، ولو عبّر بالشّجاعة لورد عليه أنّ المثال إنّما يصحّ على مذهب الحكماء لا على مذهب اللّغويّين لاختصاص الشّجاعة بالعقلاء.
(٦) أي تفسير الهداية بالدّلالة على طريق يوصل إلى المطلوب إشارة إلى أنّ المراد بالهداية ليس هي الدّلالة الموصلة إلى المطلوب ، بل هي بمعنى إراءة الطّريق الموصل إلى المطلوب ، ولكن الأوّل هو الأنسب في تشبيه العلم بالنّور ، في كون كلّ منهما موصلا إلى شيء ، فإنّ