[ثمّ الخبر (١) قد يقع موقع الإنشاء (٢) إمّا للتّفاؤل] بلفظ الماضيّ دلالة على أنّه كأنّه وقع ، نحو : وفّقك الله للتّقوى ، [أو لإظهار الحرص في وقوعه (٣) كما مرّ] في بحث الشّرط ، من أنّ الطّالب إذا عظمت رغبته في شيء يكثر تصوّره إيّاه ، فربّما يخيّل (٤) إليه حاصلا ، نحو : رزقني الله لقاءك [والدّعاء (٥) بصيغة الماضيّ من البليغ] كقوله : رحمهالله [يحتملهما] أي التّفاؤل وإظهار الحرص ، وأمّا غير البليغ فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات.
________________________________________
(١) أي الكلام الخبريّ ، وهو ما يدلّ على نسبة خارجيّة تطابقه أو لا تطابقه.
(٢) أي يقع مجازا لعلاقة الضّديّة أو غيرها ممّا سيأتي بيانه قريبا. أي يقع موقع الإنشاء وهو الكلام الّذي لم يقصد مطابقته لنسبته الخارجيّة ، ولا عدم مطابقته لما لا نسبة له خارجا ، وإنّما توجد نسبته بنفسه. والحاصل : إنّ الخبر قد يقع موقع الإنشاء إمّا للتّفاؤل ، أي إدخال السّرور على المخاطب ، كأن يقصد طلب الشّيء ، ثمّ صيغة الأمر هي الدّالّة عليه ، إلّا أنّه يعدل عنها إلى صيغة الماضيّ الدّالّة على تحقّق الوقوع تفاؤلا تحقّقه نحو : وفّقك الله للتّقوى ، فعبّر بالفعل الماضيّ الدّالّ على تحقّق الحصول موضع الإنشاء ، لإدخال السّرور على المخاطب بتحقّق حصول التّقوى.
(٣) ضمّن الحرص معنى الرّغبة فلذا عدّه بفي ، ولم يعدّه بعلى ، ويشير للتّضمين المذكور قول الشّارح : إذا عظمت رغبته. فمعنى العبارة حينئذ : أو لإظهار المتكلّم رغبته في وقوع المطلوب.
(٤) أي فربّما يخيّل غير الحاصل حاصلا ، وحاصله إنّ الطّالب لشيء إذا عظمت رغبته فيه كثر تصوّره له ، انتقشت صورة مطلوبه في خياله ، فيخيّل له أنّ مطلوبه غير الحاصل حاصل في زمان ماض ، فيعبّر بالماضي المفيد للحصول للدّلالة على الحرص في وقوعه ، لأنّ التّعبير بصيغة الحصول يفهم منها تخيّل الحصول الملزوم لكثرة التّصوّر الملزوم لكثرة الرّغبة والحرص في وقوعه.
(٥) قوله : «والدّعاء مبتدأ» ، وقوله : «يحتملهما» خبره ، وأشار المصنّف بذلك إلى أنّ إظهار الحرص والتّفاؤل لا تنافيّ بينهما ، فللبليغ إظهارهما معا في التّعبير بصيغة الماضي عن الطّلب ، وله استحضار أحدهما ، فقوله : «رحمهالله» يحتمل أن يريد التّفاؤل بوقوع الرّحمة للمخاطب قصدا لإدخال السّرور عليه ، أو يريد إظهار الحرص في الوقوع حيث عبّر بالماضي