[ولتسمّ] الاستعارة الّتي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء [عناديّة] لتعاند (١) الطّرفين وامتناع اجتماعهما.
[ومنها] أي من العناديّة الاستعارة [التّهكّميّة (٢) والتّمليحيّة (٣) ، وهما ما استعمل في ضدّه] أي الاستعارة الّتي استعملت في ضدّ معناها الحقيقي [أو نقيضه لما مرّ] أي لتنزيل التّضادّ أو التّناقض (٤) منزلة التّناسب بواسطة تمليح أو تهكّم (٥) على ما سبق تحقيقه في باب التّشبيه [نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١)] (٦) أي أنذرهم ، أستعيرت البشارة الّتي هي الإخبار بما يظهر سرورا في المخبر به للإنذار الّذي هو ضدّه بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التّهكّم والاستهزاء ، وكقولك : رأيت أسدا ، وأنت تريد جبانا على سبيل التّمليح والظّرافة.
________________________________________________________
(١) أي قوله :
«لتعاند الطّرفين» علّة لتسمية الاستعارة بالعناديّة ، لأنّ طرفيها يتعاندان ولا يجتمعان في شيء واحد.
(٢) أي وهي ما كان الغرض منها التّهكّم والهزء والسّخريّة.
(٣) أي وهي ما كان الغرض منها إتيان القبيح بصورة شيء مليح ، أي شيء حسن ليستلذّ السّامع بذلك.
(٤) أي الفرق بين التّضادّ والتّناقض ، أنّ الضّدين لا يجتمعان ولكن قد يرتفعان ، وأمّا النّقيضان فلا يجتمعان ولا يرتفعان ، بل يلزم وجود أحدهما كاللّيل والنّهار.
(٥) أي الفرق بين التّهكّم والتّمليح من جهة أنّه إن كان الغرض الحامل على استعمال اللّفظ في ضدّ معناه الحقيقي الاستهزاء والسّخريّة فهو تهكّم ، وإن كان الغرض الحامل على ذلك بسط السّامعين وإزالة السّآمة عنهم بواسطة الإتيان بشيء مليح مستظرف فهو تمليح.
(٦) والشّاهد في الآية أنّه نزّل التّضادّ منزلة التّناسب ، فشبّه الإنذار بالبشارة بجامع إدخال السّرور في كلّ ، وإن كان تنزيليّا بالنّسبة إلى المشبّه ، واستعير اسم البشارة للإنذار بسبب إدخال الإنذار في جنس البشارة ، واشتقّ من البشارة بشّر بمعنى أنذر على طريق الاستعارة التّصريحيّة التبعيّة التّهكّميّة أو التّمليحيّة.
__________________
(١) سورة التّوبة : ٣٤.