فإن قلت (١) : قد تقرّر في غير هذا الفنّ أنّ جزء الماهية لا يختلف بالشّدّة والضّعف ، فكيف يكون جامعا؟ والجامع يحب أن يكون في المستعار منه أقوى. قلت : امتناع الاختلاف إنّما هو في الماهية الحقيقيّة ، والمفهوم لا يجب أن يكون ماهية حقيقيّة ، بل قد يكون أمرا مركّبا من أمور بعضها قابل للشّدّة والضّعف ، فيصحّ كون الجامع داخلا في مفهوم الطّرفين مع كونه في أحد المفهومين أشدّ وأقوى ، ألا ترى أنّ السّواد جزء من مفهوم (٢) الأسود ، أعني المركّب من السّواد والمحلّ (٣) مع اختلافه (٤) بالشّدّة والضّعف.
[وأمّا غير داخل] (٥) عطف على ـ إمّا داخل ـ [كما مرّ] من استعارة الأسد للرّجل
________________________________________________________
(١) أي هذا اعتراض على قول المصنّف : «لأنّ الجامع إمّا داخل في مفهوم الطّرفين».
وحاصل الاعتراض : إنّ الحكم بدخول الجامع في الطّرفين مخالف لما تقرّر في فنّ الحكمة من أنّ جزء الماهية لا يختلف بالشّدّة والضّعف ، ومعلوم أنّ الجامع في الاستعارة يجب أن يكون في المستعار منه أقوى منه في المستعار له ، فالدّخول في مفهوم الطّرفين يقتضي عدم التّفاوت ، وكونه جامعا يقتضي التّفاوت ، وليس هذا إلّا الجمع بين متناقضين وهو باطل ، فما أدّى إلى ذلك أعني كون الجامع داخلا في مفهوم الطّرفين باطل.
وحاصل الجواب :
إنّ امتناع الاختلاف بالشّدّة والضّعف في أجزاء الماهية ليس مطلقا ، بل بالنّسبة إلى الماهية الحقيقيّة ، وهي المركّبة من الذّاتيات لا الماهية الاعتباريّة الّتي اعتبروا لها مفهومها مركّبا من أمور غير ذاتيات لها ، ثمّ الماهية من اللّفظ قد تكون حقّيقيّة وقد تكون اعتباريّة مركّبة من أمور ، بعضها قابل للشّدّة والضّعف ، فيصحّ كون الجامع داخلا في مفهوم الطّرفين مع كون أحدهما أشدّ.
(٢) أي الأسود شيء ثبت له السّواد فالسّواد جزء من مفهوم الأسود وداخل فيه ، مع أنّه يقبل الشّدّة والضّعف ، فصحّ كون الجامع في أحد الطّرفين أقوى من الآخر.
(٣) أي الذّات ، فمفهوم الأسود مركّب من أمرين : الجوهر الّذي هو الذّات ، والعرض الّذي هو وصف السّواد.
(٤) أي مع اختلاف السّواد بالشّدّة والضّعف.
(٥) أي غير داخل في مفهوم الطّرفين ، وهذا صادق على ثلاثة أقسام :