مستعملة في غير ما وضعت له ، وفي الكلّ نظر أوردناه في الشّرح (١). [وفسّر] السّكّاكي الاستعارة [التّخييليّة بما لا تحقّق لمعناه حسّا ولا عقلا (٢) بل هو] أي معناه [صورة وهميّة (٣)
________________________________________________________
التّمثيل ، لأنّ التّمثيل كما في المثال المذكور مفرد وإن اقترن بما ذكر فقولهم : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، المستعار هو التّقديم ، والمستعار له هو التّردّد ، والتّقديم كلمة واحدة ، وأمّا إضافته من جهة المعنى إلى الرّجل ، واقتران تلك الرّجل بكونها تؤخّر مرة أخرى ، فلا يخرجه عن تسميته كلمة ، فإنّ اللّفظ المقيّد لا يخرج بتقييده عن تسميته الأصليّة ، فيرجع أصل الكلام إلى أنّ التّردّد كتقديم الرّجل وتأخيرها ، ثمّ استعيرت هذه الكلمة المفيدة للتّردّد وأخذ منها الفعل تبعا.
وهذا الجواب مردود للقطع بأنّ لفظة تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى بمجموعها مستعملة في معناه الأصلي ، والمجاز إنّما هو في استعمال هذا الكلام بأجمعه في غير معناه الأصلي.
وبعبارة أخرى إنّ مجموع اللّفظ المركّب هو المنقول عن الحالة التّركيبيّة إلى حالة أخرى مثلها من غير أن يكون لبعض المفردات اعتبار في الاستعارة دون بعض.
وحينئذ فتقدّم في قولهم : تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى مستعمل في معناه الأصلي ، والمجاز إنّما هو في استعمال هذا الكلام في غير معناه الأصلي ، أعني صورة تردّد من يقوم ليذهب فتارة يريد الذّهاب فيقدّم رجلا ، وتارة لا يريده فيؤخّر تلك الرّجل مرّة أخرى ، فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ هذه الأجوبة الثّلاثة الأخيرة غير خالية عن النّظر والإشكال كما أشار إليه بقوله : «وفي الكلّ نظر أوردناه في الشّرح» أعني كتاب المطوّل.
(١) أي المطوّل ، وقد عرفت النّظر في كلّ من الأجوبة الثّلاثة الأخيرة.
(٢) أي لا تحقّق لمعناه حسّا لعدم إدراكه بإحدى الحواسّ الخمس الظّاهرة ، ولعدم إدراكه بالعقل أيضا لعدم ثبوته في نفس الأمر ، ولمّا كان ما لا تحقّق له حسّا ولا عقلا شاملا لما لا تحقّق له في الوهم أيضا ، أضرب عن ذلك بقوله : «بل هو صورة وهميّة محضة».
(٣) أي صورة وهميّة اخترعتها المتخيّلة بإعمال الوهم إيّاها ، لأنّ للإنسان قوّة لها تركيب المتفرّقات ، وتفريق المركّبات إذا استعملها العقل تسمّى مفكّرة ، وإذا استعملها الوهم تسمّى متخيّلة ، ولمّا كان حصول هذا المعنى المستعار له بإعمال الوهم إيّاها سمّي استعارة تخييليّة كما في الأطول.