الأسد الموصوف بالافتراس الحقيقي من غير احتياج إلى توهّم صورة ، واعتبار مجاز في الافتراس ، بخلاف ما إذا قلنا : رأيت شجاعا يفترس أقرانه (١) ، فإنّا نحتاج إلى ذلك (٢) ليصحّ إثباته (٣) للشّجاع ، فليتأمّل ففي الكلام (٤) دقّة ما. [وعنى بالمكنّى عنها] أي أراد السّكّاكي بالاستعارة المكنّى عنها [أن يكون] الطّرف [المذكور (٥)] من طرفي التّشبيه [هو المشبّه] ويراد به المشبّه به [على أنّ المراد
________________________________________________________
وملخّص الجواب إنّ الباعث على اعتبار المعنى المتوهّم في التّخييليّة وجعل الأمر المثبت للمشبّه مجازا عنه هو مقارنة ذلك الأمر هنا للمشبّه ، والباعث على عدم اعتباره في التّرشيح ، وعدم جعله مجازا عنه هو مقارنته للمشبّه به ههنا ، فلا يقتضي ما ذكره السّكّاكي في التّخييليّة أن يكون التّرشيح تخييليّة ، ولا تحكّم في اعتباره في أحدهما دون الآخر.
(١) أي هذا التّركيب فيه استعارة مكنيّة ، و «يفترس» تخييل ، لأنّ الافتراس غير ملائم للرّجل الشّجاع.
(٢) أي إلى توهم صورة ، واعتبار مجاز في الافتراس لأنّه لم يذكر في المكنية المشبّه به حتّى يقال استعير اسمه مقارنا للازمه ، وإنّما ذكر فيها المشبّه ، وهو لا ارتباط له بلازم المشبّه به ، بل هما متنافران ، فاحتيج إلى اعتبار أمر وهمي يكون لازم المشبّه به مستعملا فيه.
(٣) أي إثبات الافتراس ، والحاصل إنّ تشبيه الشّجاع بالأسد في النّفس استعارة بالكناية ، وإثبات الافتراس له استعارة تخييليّة ، أو نقول لمّا شبّه الشّجاع بالأسد في الشّجاعة تخييل له حالة وهميّة شبيهة بالافتراس الحقيقي ، ثمّ أطلق عليه لفظ الافتراس ليكون قرينة الاستعارة ، فعلى الأوّل يكون الافتراس مستعملا فيما وضع له ، وعلى الثّاني في غير ما وضع له.
(٤) أي في الجواب المذكور دقّة يحتاج إلى تأمّل ودقّة نظر ، وهذا علّة للأمر بالتّأمّل. وجه التّأمل إنّ كون اقتران ما هو من لوازم المشبّه به بالمشبّه غير حكم اقترانه بالمشبّه به.
(٥) أي المذكور اسمه هو المشبّه ثمّ لا يخفى أنّ المكنى عنها هي نفس اللّفظ وتسمية كون المذكور استعارة مكنيا عنها إنّما هو باعتبار المصدر المتعلّق باللّفظ والخطب في مثل ذلك سهل للزّوم العلم بأحدهما من العلم بالآخر.