نعم (١) ، يمكن أن ينازع في الاتّفاق على استلزام المكنّى عنها للتّخييليّة ، لأنّ كلام الكشّاف مشعر (٢) بخلاف ذلك ، وقد صرّح في المفتاح (٣) أيضا في بحث المجاز العقلي بأنّ قرينة المكنّى عنها قد تكون أمرا وهميّا كأظفار المنيّة ، وقد تكون أمرا محقّقا كالإنبات في : أنبت الرّبيع البقل ،
________________________________________________________
المنيّة الشّبيهة بالسّبع أهلكت فلانا ، فعلم من مجموع كلاميه أنّ المكنيّة تستلزم التّخييليّة دون العكس ، وأنّ معنى قوله : لا تنفكّ المكنّى عنها عن التّخييليّة ، أنّ المكنّى عنها مستلزمة للتّخييليّة لا العكس كما فهمه قائل قيل.
(١) أي هذا استدراك على قوله : ظهر فساد ما قيل ، وذلك إنّ هذا القول الفاسد اعتراض على المصنّف ، وإذا كان فاسدا فلا اعتراض عليه من تلك الجهة ، ولمّا كان يتوهّم أنّه لا يعترض عليه من جهة أخرى ، استدرك على ذلك بقوله : «نعم يمكن ...».
وحاصله إنّ كلام المصنّف يبحث فيه من جهة حكاية الاتّفاق على أنّ المكنّى عنها ـ لا توجد بدون التّخييليّة ، وكيف يصحّ ذلك مع أنّ صاحب الكشّاف مصرّح بخلاف ذلك في قوله تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ)(١) ، وإنّ النّقض استعارة تصريحيّة لإبطال العهد ، وهي قرينة للمكنّى عنها الّتي هي العهد ، إذ هو كناية عن الحبل ، فقد وجدت المكنّى عنها عنده بدون التّخييليّة ، لأنّ النّقص الّذي هو القرينة ليس تخييلا ، إذ التّخييل إمّا إثبات الشّيء لغير ما هو له كما عند الجمهور ، وإمّا إثبات صورة وهميّة كما عند السّكّاكي على ما تقدّم بيانه ، والنّقض ليس كذلك ، بل استعارة تصريحيّة تحقّيقيّة.
(٢) أي مصرّح بخلاف ذلك ، أي استلزام المكنّى عنها للتّخييليّة.
(٣) أي قوله : «وقد صرّح في المفتاح» جواب عمّا يقال نحمل الاتّفاق في كلام المصنّف على اتّفاق الخصمين السّكّاكي والمصنّف ، لا على اتّفاق القوم الشّامل لصاحب الكشّاف ، وحينئذ فلا يتوجّه ذلك ـ الاعتراض الوارد على المصنّف من جهة حكاية الاتّفاق.
وحاصل الجواب :
إنّ هذا أيضا لا يصحّ ، لأنّ السّكّاكي صرّح أيضا بما يقتضي عدم الاستلزام حيث قال في بحث المجاز العقلي : قرينة المكنّى عنها قد تكون أمرا وهميّا أي فتكون تخييليّة ، وقد
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٧.