[الثّالثة] من أقسام الكناية [المطلوب بها نسبة] أي إثبات أمر لآخر (١) أو نفيه عنه ، وهو (٢) المراد بالاختصاص في هذا المقام. [كقوله : (٣) إنّ السّماحة والمروءة] هي
________________________________________________________
وبالجملة إنّه تختلف الدّلالة على المقصود وضوحا وخفاء بحسب قلّة الوسائط وكثرتها ، وذلك لأنّ كثرة الوسائط من شأنها خفاء الدّلالة ، وقلّتها من شأنها وضوحها.
(١) أي قوله : «أي إثبات ـ أمر لآخر» بيان للنّسبة ، فالمراد بالنّسبة هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه.
(٢) أي إثبات أمر لأخر المراد بالاختصاص في هذا المقام ، أي القسم الثّالث وليس المراد بالاختصاص فيه الحصر.
والحاصل إنّ الاختصاص المعبّر به في هذا القسم في كلام المصنّف وغيره ، المراد به مجرّد ثبوت أمر لأمر ، سواء كان على وجه ـ الحصر أو لا ، لا خصوص الحصر فقول المصنّف الآتي : «فإنّه أراد أن يثبت اختصاص ابن ـ الحشرج ...» ، مراده بالاختصاص مجرّد الثّبوت ، إذ ليس في البيت أداة حصر ، وإنّما عبّر بالاختصاص عن مجرّد الثّبوت ، وإن كان مجرّد الثّبوت أعمّ ، لأنّ من ثبت ـ له شيء لا يخلو من الاختصاص به في نفس الأمر ، ولو لم تقصد الدّلالة عليه ، إذ لا بدّ من تحقّق من ينتفى عنه ذلك الشّيء في نفس الأمر.
وضابط الثّالثة أن يصرّح بالصّفة ويقصد بإثباتها لشيء الكناية عن إثباتها للمراد ، وهو الموصوف بها.
(٣) أي الشّاعر وهو زياد الأعجم من أبيات من الكامل قالها في مدح عبد الله بن الحشرج ، وكان أميرا على نيسابور فوفد عليه زياد فأمر بإنزاله ، وبعث إليه ما يحتاجه فأنشده البيت. فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وقوله : «إنّ السّماحة» هي بذل ما لا يجب بذله من المال عن طيب نفس ، سواء كان ذلك المبذول قليلا أو كثيرا قوله : «والنّدى» بمعنى بذل الأموال الكثيرة لاكتساب الأمور الجليلة العامّة ، كثناء كلّ أحد ويجمعها الكرم ، «والمروءة» في العرف بمعنى مسحة الإحسان بالأموال وغيرها ، كالعفو عن الجناية ، وقول الشّارح : «هي كمال الرّجوليّة» تفسير للمروءة. وتفسير أيضا بالرّغبة في المحافظة على دفع ما يعاب به الإنسان ، وعلى ما يرفع على الأقران وهذا قريب ممّا قبله.