تهديد المخاطب وغيره من المؤذين كان كناية ، وإن أردت به تهديد غير المخاطب بسبب الإيذاء ، لعلاقة اشتراكه للمخاطب في الإيذاء ، إمّا تحقيقا ، وإمّا فرضا وتقديرا مع قرينة دالّة على عدم إرادة المخاطب كان مجاز (١).
[فصل (٢)]
[أطبق (٣) البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتّصريح (٤) ، لأنّ الانتقال فيهما (٥) من الملزوم إلى اللّازم ،
________________________________________________________
(١) لأنّه ينتقل من ـ المخاطب المؤذي إلى المؤذي المطلق ، ثمّ منه إلى المؤذي المعيّن ، كما في قولك : رأيت أسدا يرمي ، ينتقل من الأسد إلى المطلق الشّجاع ، ثمّ منه إلى الشّجاع المعيّن.
وفي بعض الحواشي هو أنّ التّعريض غير المجاز والكناية ، وأنّه يكون أيضا في الحقيقة ، لأنّ المعنى المجازي والكنائي مقصود أنّ من الفظ استعمالا ، أمّا المعنى التّعريضي فيؤخذ إشارة وسياقا ، فإذا قلت : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فمعناه الأصلي انحصار الإسلام فيمن سلم المسلمون منه ، والكنائي نفي الإسلام عن المؤذي مطلقا ، والتّعريض نفيه عن المؤذي الّذي وقع الكلام عنده.
(٢) أي هذا فصل يتكلّم فيه على أبلغيّة المجاز والكناية وأفضليّتهما على الحقيقة والتّصريح ، بمعنى أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة ، والكناية أبلغ من التّصريح.
(٣) أي اتّفق البلغاء العالمون بالاصطلاحات ، وغيرهم من البلغاء بالسّليقة ، فإنّهم وإن لم يكونوا عالمين بلفظ ، والحقيقة والكناية والاستعارة ونحوها ، ولكنّهم عالمون بمعانيها ، فكلّهم متّفقون على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتّصريح.
(٤) لفّ ونشر مرتّب بمعنى أنّ الحقيقة راجع إلى المجاز ، والتّصريح راجع إلى الكناية.
(٥) أي في المجاز والكناية من الملزوم إلى اللّازم ، فلا يفهم المعنى المراد من نفس اللّفظ بل بواسطة الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، أمّا في ـ المجاز فظاهر أنّه لا يفهم الرّجل الشّجاع من ـ نفس قولك : رأيت أسدا يرمي ، بل بواسطة الانتقال من الحيوان المفترس إلى لازمه وهو الشّجاع ، وأمّا في الكناية فلأنّ اللّازم الّذي قيل إنّ الانتقال ـ فيها منه إلى الملزوم ، قد تقدّم في أوائل بحث الكناية أنّه مادام غير ملزوم لا يمكن