إلّا بين الاتّقاء والاستغناء ، فبيّنه بقوله : [والمراد باستغناء أنّه زهد فيما عند الله تعالى (١) كأنّه استغنى عنه] أي أعرض عمّا عند الله تعالى [فلم يتّق ، أو] المراد ب (اسْتَغْنى) [استغنى بشهوات الدّنيا عن نعيم الجنّة ، فلم يتّق] فيكون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتّقاء ، وهو مقابل الاتّقاء ، فيكون هذا من قبيل قوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١)].
وزاد السّكّاكي] في تعريف المقابلة قيدا آخر (٢) ، حيث قال : هي (٣) أن يجمع
________________________________________________________
آخر فمعه خفاء ، فأراد المصنّف بيان معناه لتتّضح مقابلته للتّقوى ، فقال : «والمراد ب (وَاسْتَغْنى) أنّه زهد فيما عند الله تعالى ، كأنّه استغنى عنه».
(١) من الثّواب الأخروي فصار بتركه طلبه «كأنّه مستغن عنه ، أي عمّا عند الله تعالى» أي لا يحتاج إليه مع شدّة احتياجه إليه لو كان له ميز ، وذلك أنّ العاقل لا يترك طلبه شيء إلّا إن كان مستغنيا عنه ، فعبّر بالاستغناء عن ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه التّرفّع عنه على سبيل الإنكار ، وهذا كفر وإذا كان كافرا «فلم يتّق» الكفر ، فيحصل التّقابل بين الاتّقاء والاستغناء.
أو المراد هو الاستغناء بشهوات الدّنيا المحرّمة عن طلب نعيم الجنّة فلم يتّق أيضا ، إمّا أن يكون ذلك على وجه يؤدّيه على إنكار النّعيم فيكون كافرا ، وإمّا أن يكون ذلك سفها وشغلا باللذّة المحرّمة العاجلة عن ذلك النّعيم ، كما هو الحال في الفسقة ، وعلى كلا التّقديرين يكون الاستغناء مستلزما لعدم الاتّقاء المقابل للاتّقاء ، فعدم الاتّقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشّهوات ، بل الاستغناء ملزومه ، فيكون من الملحق بالطّباق ، فهو نظير (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، ومن هنا قد ظهر أنّ الاستغناء ملزوم لنفي النّفي كان التّقابل بينهما من الملحق به الّذي هو أن لا يتقابل بأنفسهما ولكن يستلزم أحدهما ما يقابل به الآخر ، نظيره (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).
(٢) فلا تحصل المقابلة عنده إلّا به.
(٣) أي المقابلة «أن يجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضدّيهما».
__________________
(١) سورة الفتح : ٢٩.