يلائم المعنى القريب الّذي هو الجارحة المخصوصة ، وهو قوله : (بَنَيْناها) ، إذ البناء يلائم اليد ، وهذا مبنيّ على ما اشتهر ـ بين أهل الظّاهر من المفسّرين ، وإلّا فالتّحقيق أنّ هذا تمثيل (١) وتصوير لعظمته ، وتوقيف على كنه جلاله ، من غير أن يتحمّل (٢) للمفردات حقيقة أو مجازا.
[ومنه] أي ومن المعنوي [الاستخدام ، وهو أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ثمّ يراد بضميره] أي بالضّمير العائد إلى ذلك اللّفظ معناه [الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما] أي أحد المعنيين [ثمّ بالآخر] أي بضميره الآخر معناه [الآخر] وفي كليهما ـ يجوز أن يكون المعنيان حقيقيّين ، وأن يكونا مجازيّين ، وأن يكونا مختلفين. فالأوّل : وهو أن يراد باللّفظ أحد المعنيين ، وبضميره معناه الآخر كقوله :
إذا نزل السّماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا (٣)] |
جمع غضبان ، أراد بالسّماء الغيث ، وبضميره في رعيناه النّبت ، وكلا المعنيين مجازي.
[والثّاني :] وهو أن يراد بأحد ضميريه أحد المعنيين ، وبالضّمير الآخر معناه الآخر [كقوله (٤) :
فسقى الغضا والسّاكنيه وإن هم |
|
شّبوه بين جوانحي وضلوعي] |
________________________________________________________
(١) أي استعارة تمثيليّة ، بأنّ شبّهت إيجاد الله تعالى السّماء بالقوّة والقدرة الأزليّة بهيئة البنّاء الّذي هو وضع لبنة على أخرى بالأيدي الحسّيّة ، ثمّ استعير مجموع بنيانها بأيدي ، وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.
(٢) أي من غير أن يتكلّف للمفردات من حيث الحقيقة والمجاز.
(٣) الشّاهد في أنّه أراد بالسّماء الغيث والمطر ، وبالضّمير الرّاجع إليه في «رعيناه» النّبت ، والنّبات أحد معنييّ السّماء ، لأنّه مجاز عنه باعتبار أنّ المطر سببه ، وإنّما جاز عود الضّمير على النّبات وإن لم يتقدّم له ذكر ، لأنّه قد تقدّم ذكر سببه ، أعني السّماء الّتي أريد بها المطر.
(٤) أي كقول البحتري ، والشّاهد أنّه أراد بأحد الضّميرين الرّاجعين إلى الغضا بالغين والضّاد هو اسم شجر في البادية ، أراد الشّجر وبالضّمير الآخر الرّاجع إليه ، وهو الضّمير في شبّوه ، أراد النّار الّتي تتوقّد في الغضا ، أي أوقدوا بين جوانحي ، وهي الأضلاع تحت التّرائب ، وهي مما يلي الصّدر و «ضلوعي» وهي كذلك لكنّه ممّا يلي الظّهر.